انفجار ميناء بيروت ... محركات الدولة العميقة

 

تابعنا بالم وحزن شديدين لما حدث يوم الرابع من اغسطس / آب 2020 في مرفأ بيروت حول انفجار مواد مخزنة من عام 2014 ... (2750 طنا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة بالميناء منذ 6 سنوات دون إجراءات سلامة) ... حيث ظهرت " سحابة المشروم - الفطر الشهيرة " العرض الرئيسي لانفجارات القنابل النووية في سماء مرفأ بيروت مخلفة دمارا شاملا وقتلى ومصابين ومفقودين وقد اصاب الذعر والهلع في العاصمة اللبنانية من شدة الانفجار والذي وصفته مراكز رصد الزلازل والكوارث بان قوته قد قدرت ما بين 4 - 4.5 على سلم ريختر ... كان الانفجار هائلا حقا لدرجة أن أثره امتد لدائرة قُطرها كيلومترات عدة حول منطقة الانفجار، وصرّح محافظ بيروت أنه دمّر نصف المدينة، بل كانت هناك إشارات أن الناس قد تأثروا في قبرص على مسافة أكثر من 200 كيلومتر...

ما حصل في بيروت اشبه ما حصل في حادثة مفاعل شرنوبل في الاتحاد السوفياتي (كارثة تشيرنوبل : هي حادثة نووية إشعاعية كارثية وقعت في المفاعل رقم 4 من محطة تشيرنوبل للطاقة النووية. في يوم السبت 26 أبريل من عام 1986، قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا السوفيتية).. وهنا تتبادر الكثير من الاسئلة الافتراضية والتكهنات حول من يتحمل مسؤولية هذا التخزين ، ... هل كان مرفا بيروت تحكمة المافيات ...هل الفساد والاهمال الاداري والاهمال القضائي خلف هذه الكارثة ...هل الجريمة متعمدة بفعل اطراف خارجية .. هل الاجهزة الامنية والعسكرية على دراية بهذه المواد الشديدة الخطورة نتوقع بان قادم الايام سيكون محملا باجوبة على هذه الاسئلة...

وفي هذا السياق فقد قال رئيس مجلس الوزراء اللبناني حسان دياب يوم الثلاثاء 4 اغسطس / آب 2020 تعليقا على الانفجار إن " ما حصل نكبة لا نستطيع تجاوزها إلا بعزيمة وإصرار، وما حصل اليوم لن يمر من دون حساب وسيدفع المسؤولون عن هذه الكارثة الثمن وهذا وعد للشهداء والجرحى".

حادثة مرفأ بيروت تقودنا الى نتيجة حتمية تتوافق مع حالات متشابهة في البلاد العربية بأن النظام السياسي والجهاز البيروقراطي اللبناني يتحملان المسؤولية عن انفجار بيروت لسماحهما بتكديس مواد متفجرة على هذا النحو، لكن هذا لا يكفي لنفي فرضية مسؤولية إسرائيل عن الحادث، فيمكن الافتراض أن إسرائيل علمت بوجود هذه المتفجرات ووجدت السبيل لإشعالها لخلط الأوراق وخاصة بعد تطور وسخونة حالة الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ما بين حزب الله ودولة الكيان الصهيوني في الاونة الاخيرة..

نفت الدولة العبرية على المستوى الرسمي ضلوعها في انفجار مرفأ بيروت، وقالت إنها عرضت على لبنان مساعدات إنسانية وطبية عاجلة، غير أن كثيرا من التعليقات الإسرائيلية تنضح بمواقف مختلفة، خاصة على ضوء فرضيات بشأن علاقة إسرائيل بما وقع ، وقد أصدر وزيرا الدفاع والخارجية الإسرائيليان بيني غانتس وغابي أشكينازي بيانا مشتركا جاء فيه أن إسرائيل توجهت إلى لبنان "عبر جهات أمنية وسياسية دولية وعرضت مساعدة إنسانية وطبية". هذا كله في العلن اما تخطط له دولة الكيان في الخفاء لا احد يعرف تبعياتة..

وحيث اننا في صدد رصد المواقف اللاخلاقية لشرذمة الصهاينة من انفجار بيروت كان الملفت للانتباه هو ابراز وسائل الاعلام الصهيونية تعليق العضو السابق في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) موشيه فيغلين الذي قال عبر مواقع التواصل الاجتماعي "مسموح لنا أن نفرح بأن هذا الانفجار وقع في بيروت وليس في تل أبيب. "وفي منشور آخر كتب فيغلين "على شرف عيد الحب اليهودي حظينا بعرض ناري مذهل في مرفأ بيروت. هل تصدقون حقا أن هذا كان مجرد مستودع عشوائي للوقود؟ ألا تدركون أن هذا الجحيم كان يفترض أن ينزل علينا في شكل زخات من الصواريخ؟".

خلاصة القول:

اعتقد بانها ازمة تراكم اخطاء عاشها لبنان على مدار الحكومات السابقة امام سلسلة من التفاصيل السياسية التي فاقمت الوضع وانها مسؤلية منظومة باكملها اوصلت الى هذا الوضع وقد اتى بفعل تداخلات الدولة العميقة المتغلغلة في تفاصيل الشان الداخلي اللبناني وما يؤول في النهاية الى منظومة سياسة تعمل على الطائفية والتي اطاحت بالتراتبية الرسمية وحوكمة شؤون البلاد على مدى اربعة عقود شهدها لبنان مرورا باتفاق الطائف وما نشأ عنه من تصالحات كانت كلها تحت تاثير زوابع التمترسات والاصطفافات المتشجنة والتي قادت البلاد الى وضع سياسي غريب في اطوارة غلبت عليه تدخلات الدول الاقليمية والدولية...

على جانب الكيان الصهيوني ... اللافت للانتباه ان الكيان لا يتعامل مع انفجار بيروت على انه في مكان بعيد لا بل ان عليه ابعاد سياسية ، وفي راينا هنا بان تعبئة الكيان الصهيوني على جانب الحدود اللبنانية لن تتراجع وفي نفس الوقت لا يريد الكيان التصعيد مع حزب الله في هذه الاونة وخاصة ان الوضع دقيق وحساس جدا لان اي خطا سوف تتدحرج المنطقة الى الانفجار ولا اعتقد بان حزب الله سيمرر اية هفوة من قبل دولة الكيان الصهيوني بل سيعطي حزب الله ذريعة لتفجير المنطقة برمتها لانه في اعتقادي يوجد هناك ايادي خفية في لبنان لديها اجندات وارتباطات مع دول لا ترغب للبنان الاستقرار..

وفي صدد احتدام المناورة العسكرية ما بين حزب الله وجيش الكيان الصهيوني ، نعتقد هنا بان حزب الله سيكون منشغلا في الابعاد السياسية بعد هذا الانفجار ولن يجر لبنان الى حرب مفتوحة او مناورات عسكرية مع الكيان الصهيوني بينما اللبنانيون يضمدون جراحهم ويبحثون عن المفقودين من جراء هذا الانفجار...

اما على الجانب الدولي ... هل سيضع لبنان هذه الحالة امام مجلس الامن الدولي لتشكيل لجنة تحقيق دولية فيما اذا كانت الولايات المتحدة او دولة الكيان لهما دور مباشر او غير مباشر في هذه الكارثة او الركون الى توصيف الاهمال الوظيفي هو السبب فيما حدث...

اقتصاديا ... يعد مرفأ بيروت أهم ميناء في لبنان ومن أهم موانئ الحوض الشرقي للبحر المتوسط نظرا لموقعه الاستراتيجي، كان يستخدم لاستيراد المواد الأساسية من دول العالم وتصديرها عبر لبنان لدول الشرق الأوسط فقد تشكل حالة تفجير مرفأ بيروت وتوقفة عن العمل سيناريو اداة تفكير لدولة الكيان الصهيوني بتحويل وجهة التجارة وتبادل السلع من خلال المرافئ على ساحل المتوسط في فلسطين المحتلة وهو الهدف الذي يطمح له الكيان منذ زمن خاصة بان مرفأ بيروت كان يعتبر من حلقات التواصل مع اوروبا على طريق الحرير الصيني الذي بوشر العمل به مؤخرا .. وهنا لا بد من تحرك الدولة اللبنانية وفي محاولة سريعة لتخفيف الخسائر، بتجهيز مرفأ طرابلس (شمالا) لتأمين العمليات التجارية.

ختاما نقول هنا وفي ظل ما بدر من تسابق عربي على الوقوف الى جانب لبنان حكومة وشعبا ، سيعود الالق من جديد الى بيروت عاصمة التنوع والانفتاح .. لبنان سينهض ويجدد انتمائة العروبي وبوصلة نضالة فلسطين التاريخية...

باحث ومخطط استراتيجي

arajoub21@yahoo.com