الصورة التي هزَّت إنسانيتنا... الممرضة البطلة الصامدة وسط الركام: "من المستحيل أن أتركهم"

وسط كل الدمار والدماء كانت تقف حاملة بين يديها 3 أطفال حديثي الولادة، كانت تضمهم إلى صدرها ومن حولها رائحة الموت والركام تفوح في كل مكان. كانت تقف وحيدة، شامخة ومصرّة على التماسك، وبقدر هول الفاجعة صورة تختصر تناقض الحياة والموت... إنه صراع البقاء.

 

صورتها منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا كلمات تُعبّر عن الإنسانية التي تغمرنا وسط الكارثة، أحياناً يخذلنا كل شيء إلا عاطفتنا الداخلية التي تتحكم بنا في مثل هذه الأوقات العصيبة. قوة الانفجار أحدث هزة كبيرة، تصدعات وتحطيم الزجاج والأبواب، لم يعدّ هناك شيء في مكانه، حتى الناس تطايرت أجسادها وقذفتها بعيدة، ما عاشه اللبنانيون بالأمس أشبه بفيلم رعب.

في مستشفى الروم- الأشرفية حكايا كثيرة، هذا الانفجار أرخى بثقله الكبير هناك. في الطابق الرابع يعيش حديثو الولادة إلى حين استعادة أنفاسهم الصغيرة واكتمال نموهم قبل خروجهم. حاولنا البحث عن هذه البطلة وصاحب الصورة، توثيق هذه اللحظات تمدك بالقوة والأمل، نحن نحتاج إلى هذه المشاهد للوقوف مجدداً، وهكذا بدأت قصة الصورة.


إسمها باميلا زينون، ممرضة تعمل في قسم حديثي الولادة، تتحدث لـ"النهار اللبنانية" عن تلك اللحظات بالقول "أعمل في هذا القسم في الطابق الرابع من المستشفى. كنتُ أجري مكالمة هاتفية عندما سمعت صوتاً ومن ثم هزة وقوة هواء سحبت كل شيء من أمامها. وقع الطابق علينا، إستيقظتُ فوجدتُ نفسي في مكانٍ آخر. رأيتُ زملائي في العمل ينزفون، وركض الأطباء يُسعفونهم في حين توجهتُ إلى الأطفال الموجودين في الحاضنة couveuse. وبسبب تحطم المكان كان يصعب الدخول من الباب العادي، فاضطررت إلى الدخول من مكان آخر، كان والد أحد الأطفال موجوداً هناك".

وتضيف: "كان المكان أشبه بساحة حرب، بدأتُ أنزع الحديد والحطام من على الحضانة لإنقاذ الأطفال، الوالد حمل إبنه وبدأ يساعدني لإزالة الركام والعوائق للوصول إلى الأطفال. حملتُ 3 أطفال حديثي الولادة بين يديّ، بينما حملت زميلتي الطفلة الأخيرة. لم نصدق ما نشاهده، كنا ننزل الطبقات الأربع على السلالم، كنتُ أحملهم بين يديّ وأخاف الوقوع حتى لا يُصيبهم مكروه. لم أفكر بشيء سوى الخروج من هناك برفقتهم. كنا ندوس على الزجاج المتطاير والأبواب والدماء، كنتُ أنزل بهدوء وبطء، معي 3 أطفال صغار جداً وأي دعسة خاطئة قد تتسبب بمقتلهم".

 

وتصف زينون "لم نكن نستوعب ما يجري، كنا نسأل بعضنا وحالة فوضى وهلع في كل مكان. هؤلاء الأطفال هم أولادنا أيضاً، نهتم بهم ونربيهم قبل أن يخرجوا. كان يستحيل أن أتركهم مهما كان الثمن".

هذه الصورة ما كانت لتوثق لولا عدسة الزميل بلال جاويش الذي يؤكد لـ"النهار": "كنتُ أخرج من منزلي عندما سمعت الانفجار، بدأتُ أبحث عن مكان الانفجار من خلال الدخان المتصاعد، وصلتُ إلى الأشرفية وعندما سألت قال الناس لي أن الانفجار في الروم. ما إن وصلتُ إلى هناك حتى صُدمت من وقع المشهد. الناس منصابة تركض إلى المستشفى والممرضون والمرضى والأطباء يخرجون من الداخل ينزفون ومصابون. ما حصل بالأمس لم أره في حياتي المهنية منذ 16 عاماً، الركام والرعب والدم في كل مكان، وبينما أتنقل وجدتُ ممرضة تحمل بين يديها 3 أطفال وسط ركام ودماء. كانت تبتسم لي، أخذت الصورة بعيداً عن كل من حولها، كانت تُمثل التناقض: الحياة في وجه الدمار. بدت وكأنها تحمل قوة خفية لإنقاذ هؤلاء الأطفال. قوة الإنسانية تُختصر بهذه الصورة، كانت بطلة في انسانيتها وتفانيها وقوتها رغم الوجع والصدمة والفاجعة.