ما بين الديموقراطية و العبثية و الجاهلية ... كوابيس الحقيقة و الانفصام ...!!!
عملت في الاردن و خارجه في اكثر من دولة خليجية ..
و عشت في بعض هذه الدول خلال فترة أزمات عالمية كبيرة ادت الى انهيار شركات و افلاس اخرى كان اخرها في العام 2008...
في تلك الفترة و حتى ايامنا هذه حيث تجتاح آثار كورونا العالم كان بث الاخبار السلبية في بعض هذه الدول حتى و ان كانت صحيحة او ارسال أخبار محبطة حتى و ان كانت واقعية يلاقي عقاباً شديداً لمن نشر الخبر يبدأ من الطرد من العمل الى (التسفير) اذا كان باث الخبر من جنسيةٍ اخرى...
عندنا في الاردن عشقٌ غريب لبث اي خبر سلبي فضائحي ملوث... تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي خلال ساعات فينتقل بين الناس كما النار في الهشيم بدءً من خبر اقتصادي لافلاس شركة و انتهاء بخبر احتماعي كصور حفلة (خاصة) قام احد مرتاديها بنشرها هنا و هناك...
ملخص الامر اننا نعيش حالة انفصام اجتماعي و اقتصادي و اخلاقي و ديني و نرفض الاعتراف بذلك، بل و نجد مبرراً و مبررات لكل ما نقوم به تحت بنود الشفافية، وحرية الرأي، و العفة، و الاخلاق، و عادات المجتمع !!!
على الجانب الاقتصادي... نستمتع و نتلذذ حينما يصلنا خبر هروب رجل اعمال او افلاس شركة و غيره من اخبار تحتمل الصواب او الخطأ، و الاهم انها محتملة الحدوث في اي اقتصاد في العالم ... لكننا نعشق الاسقاط على واقعنا باننا الاسوأ و الاقبح ... و الاشد انهزاماً .. و يقنع البعض انفسهم انهم حين يتداولون هذه الاخبار فهم من منطلق الاعلام فقط..، ولكنك لو شققت عن قلوبهم لوجدتها تقطر حقداً و حسداً و سوادا ...
على الجانب الاجتماعي و الديني مثلاً ... نستمتع بنشر أي اشاعات او اخبار سلبية او صور او فيديوهات تخص اي عرضٍ او حتى طول اجتماعي !!! حتى و لو كان خاصاً... و نغدو جميعاً من اولياء الله الصالحين الذين يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ... هم ذاتهم ممن يرسلون صور حفلات خاصة او يضعون على صفحاتهم الفيسبوكية تعليقات نارية تعبق بالعفة و الطهارة ضد الانحلال في المجتمع و العادات الخارجة عن مجتمعنا و التي لا تمثلنا و غيره من الكلام المستهلك ... هم ذاتهم تفيض هواتفهم الخلوية بالصور و الفيديوهات (الحمراء) من كل أقاصي الارض و من مختلف الجنسيات و في ذات الهواتف و من ذات المرسلين أيضاً تقطر ادعية و آيات قرآنية و جمع مباركة تخر لها الشياطين من الورع و الاستقامة !!!
ايها الاحبة ... اقسم اننا نعيش حالة انفصام نفسي واجتماعي كبير و متراكم و ممتد ...
اتحدى ان نَشَر او ارسلَ اي منا (الا من رحم ربي) اي خبر ايجابي عن اي قصة نجاح اردنية لشركة او فرد او حتى مبادرة خاصة او حكومية اقتصادية او اجتماعية على الواتس اب او الفيسبوك بقصد الاعلام و النشر و رفع المعنويات مثلما يدعي حين ينشر اشاعة او خبراً سلبياً هنا و هناك و حتى قبل التحقق منه..
و حتى المطالع لصحفنا لا يملك الا ان يصاب بالاكتئاب... فثلث اوراق الصحف تبليغات قضائية في المحاكم... و ثلثها صفحات نعي للوفيات و ثلثها اخبار سياسية (بايتة) او اعلانات !!!
نحن نختبأ تحت عباءة الديموقراطية حين نريد... و تحت عباءة العادات و التقاليد و الشفافية والدين و غيره حين نريد..
لو اعطيت السلطة في بلدي... لرفعت صوت السوط... في وجه كل لمّازٍ همّاز .... و في وجه كل سلبيٍ هدّام !!!
نحن نمارس العبثية ... ولا نعرف من ابجديات الديموقراطية الا حروفها .. لا نطبقها على انفسنا ولا في بيوتنا ولا مع ابنائنا ولا زوجاتنا و لا اهلنا !! فكيف نطالب بتطبيقها خارجياً .. نحن نريدها تفصيل و ليست جاهزة بكل ما فيها او عليها ... نريد ان نلبس ثوباً مدنياً حين نريد... وثوباً تاريخيا او تقليديا او حتى دينياً حين تشرئب فينا حمية العادات و التقاليد و التقوى و ذلك حين نريد أيضاً .. نريد مكافحة الفساد ... الا ان يمس الفساد ابناءنا او ابناء عمومتنا فنصير ناصرين له ظالماً و مظلوماً ..!!!!
نريد تطبيق الشريعة الاسلامية و اقامة حدود الله في اشياء و نتركها في اشياء ، و نمارس السلطة الالهية على الارض بالتحليل و التحريم...و التبرئة و التجريم !!!
حتى غدت الصلاة و الصوم و الدين لدى الاغلبية عادة وليست عبادة...!!!
الم يضرب الله عز وجل اقسى الامثلة و شبه من يظن السوء بالناس، او يستغب الآخرين ... بمن يأكل لحم اخيه الميت !!! .. تصوروا فظاعة و قسوة المشهد...
اتعلمون انه حتى في زمن الجاهلية و على رغم كل ما فيها... لكن كانت عندهم اخلاق فطرية لا نعلم مبادئها في ايامنا هذه الا في مثالياتنا الورقية و في العالم الافتراضي ... فحين هاجر محمد عليه الصلاة و السلام مع أصحابه تاركين وراءهم نساءً وأطفالاً وشيوخاً وعجائز، لم يكونوا يخشون أن يعتـدي عليهم معتدٍ، ولا أن يستبيح حرماتهم مستبيح، ولا أن تهجم عليـهم مجموعة من المنحرفين، وقطاع الطرق، وعديمي الأصل، لهتك أستارهم، والنكاية بهم !!! لانه كان في مجتمعهم شيء من النخوة و الحمية و المبادىء..
و حتى حين كان أبو سفيان و كان من أشدّ الناس عداوة للمسلمين، يقود حملات الحقد على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه أجـاب بالحق الذي لا شائبة فيه، حين سأله هرقل عن (عدوه) محمد صلى الله عليه وسلم.. فلم يقل فيه الا كل خير ولم يُرد أن يكذب او تؤخذ عنـه كذبة تعيره بها العرب !!. فقد كان عندهم شهامة و رجولة !!!
نحن ... ما نحن.. اننا نعيش زمن الجاهلية الحقيقي حيث نشر الاخبار عن الاعراض، و الشماتة في المرض و الموت و الدمار و نقل الاشاعات و الاخبار السلبية ..
اتقوا و ارتقوا ... فالقاع صار مزدحماً جداً...
و كفى !!!