الجَامِعَةُ العَرَبِيّةُ فِيْ ذِمَّةِ اللهِ
بمزيد من الحسرة والألم ينعى أبناء الأمة العربية فقيدتهم الغائبة جامعة الدول العربية ،التي وافاها الأجل المحتوم عنْ شَيخُوخةٍ مُبكرةٍ ،ويتقدمون من أبناء الفقيدة مندوبي الأنظمة العربية بأحر التعازي والمواساة .
ونعلمُكم أنّه لنْ يصَابَ أحدٌ منّا بحالةٍ مِن الحزنِ ،ولنْ يُدْعَى أحدٌ للمُشارِكَة في تشييع جنازتها ،أو تأبِينِها ولا حتّى زيارةبيتِ العزاء،ليس بدعوى جائحة كورنا ،وإنما لكونها لا تستحق منّا ذلكِ .
ولنْ يُغضِبَنِا لو أنّ إعلانَ نعِي الجامعةِ العربيّةِ قدْ ذُكِرَ مِن ضِمنِ حَسناتِها ،وأنَّها قضَتْ سنواتِ عُمرِها في أعمالِ البِرِّ والتقوى ،فسوفَ أعتبرُ ذلكَ نُكتةً سَمِجَةً، تَحمّلنا مِثلَها الكثيرَ ،لأنَّ جميعَ موتانا ،اعتبارًا مِن السماسرةِ ،وانتهاءً بالخونةِ ،كُلُّهم بدونِ استثناءٍ قضَوا أعمارَهم المديدةَ في أعمالِ البِرِّ والتقوَى .
النكتةُ أو الكذبةُ في التاريخِ العربِيِّ ،لا تستحقُّ فعلاً أنْ تبقَى على قيدِ الحياةِ، وبالتالي فإنَّ غِيابَها عن الساحةِ ،هو أصدقُ مِن بقائِها على قيدِ الحياةِ ،وبالتالي فإنَّ موتَها أفضلُ ألفَ مرةٍ مِن استمرارِها ،ونسيانُ مواقفِها ،هو عزاءً لكلِّ مِنّا على مًمارساتِها ،التي لمْ تُسهِمْ إلّا في زيادةِ التشرذمِ العربِيّ ،وجعلَتْ علاقاتِنا أكثرَ بعدًا وتمزقًا.
لقدْ كشفت الهرولة إلى التطبيع مع العدو الصهيوني ،الغطاءَ عنْها ،فبدَتْ سوءَتُها وعورتُها على حقيقتِها ،هشّةً واهنةً كبيتِ العنكبوتِ ،لا تقومُ على أساس.
حيث ينخرُ الفسادُ في أساسِها ،فلمْ تنتصرْ يومًا لقضايا أمّتِها العربيَّةِ ،ولمْ تُحرِّكْ نوائبُ الدّهرِ وصرْخاتِ وأنين آلاف الثكالَى واليتامَى ،الصادحة في جميع أرجاء الوطن العربي" شعرةً واحدةً مِن جسدِها المشلولِ ،فباتَتْ ذليلةً عاجزةً ساكنةً كمياهِ البحرِ المَيّتِ ،وطَفِقتْ تخصفُ مِن ورقِ الاستجداءِ والتوسلِ ،لتواريَ سوءَتَها ،ولتداريَعَجزِها ودُونيّتِها.
وحدَها " فلسطين" ما زالتْ تصارعُ دهرَها الغاشمَ ،الذي رمَاها بقاصمةٍ عصابة الإجرام – من يهود الرجس ،وخونة العرب،وثعلب أمريكا،وزمرةَ المطبلين والمزمرين ممن باعوا شرفهم وأخلاقهم وعروبتهم ،إن كان عندهم شيء من ذلك .
وحدَها "فلسطين" هي من تواجهُ طوفانَ القتلة ،وقطعان الخونة ،والمتآمرين من بني جلدتنا ،أمّا نحنُ لا بارك الله بنا ولا أكثر الله من أمثالنا ،قدْ حجزْنَا في مقاعدِ المتفرجِين ،نشاهدُ آخرَ فصولِ الجريمةِ.
وحدَها "فلسطين" من وقفتْ يتيمةً ،تتحدّى المؤامرات والدسائس لتهويدها ،فيما تختبِئُ الجامعةُ العربيةُ ،ومِن ورائِها أنظمةٌ كاملةٌ بجميعِ اكسسواراتها: جيوشٍ، وأجهزةٍ أمنيةٍ ،ووسائلِ إعلامٍ ،ووظائفَ ومناصبَ ،وسجّادٍ أحمرَ ،خلفَ افتتاحياتِ الصحفِ ونشراتِ الأخبارِ ،نعم ،لقدْ أذلَّتهُم أمريكا وإسرائيل.
إنَّ إثم "التطبيع المعيب" الذي يجري على الملأ بأيدٍ قذرةٍ رخيصة في هذه الأيام ،يقع على عاتق "جامعتنا العربية" ليكونَ صفحة سوداء في تأريخها ،ووصْمَة عارٍ في جَبينِها أبد الآبدين.
وأختم بما كتبه ستِيفِنْ رُوزْنفِلد في الواشِنطن بوستْ عن أمة العرب : [كانَ هناكَ كلبٌ ولكنّا لمْ نَسْمعْهُ ينبحُ ليدفعَ الذئبَ عنْ غنمِهِ، ولا شكَّ أنَّ الِنمْرَ العربيّ والإسلامِيّ الذي صوَرَتْهُ لنا الصحافةَ الغربيّةَ في الماضِي لمْيَكنْسِوى قطةٍ أليفةٍ تموءُ].