معدلات التوجيهي في الأردن.. الحكومة تسترضي الناس ببيعهم الوهم
موجة سخرية عارمة ممزوجة بالدهشة ولدتها نتائج امتحان الثانوية العامة في الأردن للعام الحالي، حين حصل 78 طالباً وطالبة على معدل 100% في سابقة لم تشهدها المملكة من قبل؛ إذ إنه باستثناء طالب واحد في العام الفائت، لم يسبق أن حصل طالب ثانوية عامة في الأردن على هذه العلامة، هذه الموجة وما رافقها من فرح عمّ أرجاء البلاد هدأت الآن، وبدأت ساعة الحساب بعدما "ذهبت السكرة وجاءت الفكرة".
المعدلات الجنونية هذه تشبه إلى حد كبير زيادة على الرواتب مترافقة مع ارتفاع في أسعار السلع الأساسية؛ زيادة لن تحدث فرقاً في الأحوال المعيشية للناس، فالزيادة على الرواتب سيلتهمها التضخم، وهو الحال ذاته في المعدلات الحالية، فهذا الكم الكبير من المعدلات المرتفعة من شأنه أن يرفع معدلات القبول في الجامعات، إذ إنه في العام الدراسي الماضي حصل 3330 طالباً وطالبة على معدلات فوق 90%، لكن هذا الرقم تضاعف في العام ليصبح عددهم 6669 طالباً وطالبة، فيما تضاعف عدد الحاصلين على معدل فوق 99% ثلاث مرات (من 25 العام الماضي إلى 83 للعام الحالي).
على سبيل المثال كان معدل القبول في الطب 97%، لكن مع هذه المعدلات المرتفعة فقد يصبح معدل القبول للتخصص ذاته 99%، وهذا ينطبق أيضاً على مقعد الهندسة المدنية الذي كان يشترط للتنافس عليه الحصول على 94%، لكننا حين نعلم أن عدد الحاصلين على هذا المعدل ارتفع من 1318 طالباً وطالبة العام الماضي إلى 3044 العام الحالي (أكثر من الضعف) فلا يحتاج الأمر إلى كثير من التأمل لإدراك إن الحاصلين على معدل 94% ستكون فرصتهم ضئيلة في دراسة الهندسة المدنية، وهذا يعني أن الحاصل على معدل 97% في العام الماضي كانت فرصته في الحصول على مقعد في تخصص الطب أفضل من الحاصل على 99% العام الحالي، وهو ما ينطبق على جميع التخصصات تقريباً، وبالتالي فالفائدة الوحيدة من هذه المعدلات (غير المعقولة) فرحة مؤقتة والتفاخر بالحصول على معدل مرتفع أمام الأقارب والأصحاب.
ولعلّ هذه النتائج غير المسبوقة في تاريخ الدولة الأردنية كان أمراً مقصوداً، فالحكومة التي تواجه سخطاً شعبياً بسبب اعتقال المعلمين وإغلاق نقابتهم، سعت
ربما لتخفيف الاحتقان الشعبي عبر استرضاء شريحة من الشعب من خلال منحهم (رصيداً إضافياً) من علامات لن تحدث فرقاً في مسيرة الطلبة التعليمية، وكأنها ترسل للأسر المنتشية بهذا التفوّق رسالة مفادها أنْ كونوا ضد المعلم معنا.! فهي خسرت كثيراً من شعبيتها التي اكتسبتها بعد جائحة كورونا، وهي الشعبية التي تسعى لاستعادة ولو جزء بسيط منها، عبر استرضاء الناس بمعدلات ليست سوى بيعاً لوهمٍ لن يدرك الطلبة وأولياء أمورهم أنهم فيه إلا حين تصدر نتائج القبول الموحد للجامعات.
*صحافي أردني