حكاية "يوسف وأبيه".. وفاة معلم مصري وابنه تغرق منصات التواصل
في ذلك اليوم أنهى الطفل المصري يوسف (9 سنوات) حفظ ورده من القرآن، وطلب من والده أن يكافئه وأخيه، بفسحة صغيرة في جزيرة لؤلؤة قطر بالدوحة، فاستجاب الأب "الأستاذ حميدو" لرغبة طفليه.
ولم يكن يعلم يوسف وإخوته أنهم سيفترقون بعد هذا اليوم للأبد، فحين أذن الرحيل جاءت الأسباب ووقع القضاء حين انزلقت قدما يوسف داخل إحدى النافورات فسحبته قوة شفط الماكينة إلى أسفل وسارع والده لإنقاذه فانسحب معه وغرقا سويًا في لحظات.
وانتهت حياة يوسف وأبيه أمام أعين ثالثهما، ذلك الطفل ذو السبع سنوات الذي حضر الواقعة بالكامل ولن ينس أبدًا مشهد اختفاء شقيقه ووالدهما تحت المياه، في قصة أغرقت منصات التواصل الاجتماعي في قطر، وتعاطف معها الآلاف من أبناء الجالية المصرية والقطريين والمقيمين.
فقبل أيام أعلن حساب "الجالية المصرية في قطر" على فيسبوك، وفاة الأستاذ الثلاثيني حميدو محمد، معلم القرآن والشرعية بإحدى المدارس الخاصة في الدوحة، ونجله يوسف، غرقًا بعدما ابتلعتهما بالوعة نتيجة قوة شفط المياه داخل نافورة كبيرة في جزيرة لؤلؤة قطر.
وعلى الفور أصدرت إدارة المكان بيان أسف وعزاء لأسرة المدرس المصري الشاب، وهو ابن مركز سمالوط بمحافظة المنيا جنوبي مصر.
وبين اتهامات لإدارة المكان بالتراخي في إجراءات الأمن والسلامة، وبين تبريرات بشأن فلسفة وهندسة تشغيل النوافير، طالب المئات في قطر بصرف تعويض مناسب لأسرة حميدو الذي انتهى أجله، وانتهى معه مصدر رزق الأسرة المكونة من زوجة شابة حامل وطفلين آخرين بالإضافة إلى الراحل يوسف.
وتداول الناشطون على منصات التواصل مقاطع فيديو للأستاذ حميدو ونجله يوسف وهما يرتلان القرآن بصوت عذب، كما تداولوا مقطع فيديو من مكان الواقعة.
وبمجرد إعلان وفاة المعلم المصري وابنه، انتشرت سيرته كالبرق على وسائل التواصل الاجتماعي، والغريب أن قصة الأستاذ حميدو تداولها من يعرفه ومن لا يعرفه.
فيحكي أحدهم باكيًا، أن زوجته ذهبت لتقديم واجب الدعم والدعم لزوجة المدرس الراحل "الصابرة المحتسبة" دون سابق معرفة، ففوجئت بكوكبة من البشر تحيط بالمكان جاؤوا للسبب ذاته.
ويكمل الرجل نقلًا عن زوجته، أن السيدة أسماء زوجة الأستاذ حميدو كشفت عن حكاية غريبة قبيل الحادث بأيام، فقد جاءها يوسف ليقص عليها رؤيته وقال لها إن خاله المتوفى جاءه في المنام ودعاه لزيارته.
وحدّثت أم يوسف أبيه بما رآه ابنهما الأكبر، فنبأها حميدو بإحساسه أن أجله قد اقترب وأن عليها أن تتحمل تربية أبنائهما بشجاعة حتى تعبر بسفينتهم إلى بر الأمان ولحين أن يجتمعوا كلهم سويا في الآخرة، وأكد لها ثقته في أنها على قدر المسؤولية وأنها ستنجح لا محالة، وأوصاها في حالة وفاته أن يُدفن في بلده مصر وفي قريته ووسط أهله.
وتحولت صفحة الجالية المصرية في قطر إلى ساحة نعي وعزاء للفقيد ونجله، وعددوا خصالهما الحسنة، ولعل المتصفح لحساب الأستاذ حميدو على فيسبوك يكتشف السر وراء ذلك، فصفحة الرجل ما هي إلا مسابقات تحدٍ في حفظ القرآن الكريم بين طلابه.
كما أعلنت مؤسسة "قطر الخيرية" عن حملة تبرع جماعي لبناء مسجد في ثواب الأستاذ حميدو ونجله يوسف.
وبالأمس، نفذت الزوجة الوصية، ووصلت بجثماني زوجها وابنهما، وطفليها إلى مطار القاهرة، ومنه إلى قريته التي طالما اشتاق العودة إليها حيًا فجاءها ميتًا، ليشيع الأستاذ حميدو وابنه يوسف في جنازة حاشدة ويدفن بمقابر العائلة.
وربما كانت رغبة أراد الأستاذ حميدو ووصيته بأن يدفن في بلدته، لتعويض أسرته التي ستبقى هناك إلى حيث يشاء الله، وطمأنتهم بأنه قريب منهما حيا وميتا، وسواء كان هذا هو السبب أم غيره، فإن سيرة الرجل الطيبة لا تزال تملأ الأجواء، واعتبره رواد مواقع التواصل وابنه شهيدين كونهما ماتا غريقين في الغربة.
الفقيدان الأستاذ حميدو وابنه يوسف (مواقع التواصل)
التفاعل مع قصة الأستاذ حميدو يشبه إلى حد كبير حكاية الشاب المصري العشريني سيف الإسلام محمد زكريا، الذي توفي في شهر رمضان من العام الماضي وكان أيضًا يعمل مدرسًا للقرآن الكريم في الدوحة، لكن سيف الإسلام دُفن في قطر.
ولم يكن سيف الإسلام المصري أو المغترب الوحيد الذي يختطفه الموت وحيدًا في الغربة بعيدًا عن الأهل والوطن، لكن ما لفت الأنظار لسيف هو عدد المشيعيين الذين حضروا جنازته ورافقوه إلى مأواه الأخير دون سابق معرفة.
والإعلان عن وفاة أي مصري في الدوحة على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالجالية المصرية في قطر، أمر مألوف ومتبع وسائد، فغالبًا لا يكون للمتوفى أقارب أو أصدقاء لتشييعه فتكون تلك الصفحات بمثابة نداء لتجميع بعض الناس لحضور الجنازة وتشييع الميت والدعاء له.
لكن جنازة سيف جاءت مختلفة إلى حد كبير، فبعد انتشار قصته، انضم مئات القطريين والمقيميين من عدة جنسيات إلى جانب المصريين، في تشييع جثمان الشاب الخلوق الذي ملأت سيرته الحسنة منصات التواصل الاجتماعي في الدوحة، كما حدث تمامًا بالأمس القريب مع يوسف وأبيه.
المصدر الجزيرة مباشر مواقع التواصل