الكمامة صمام أمان من الاصابة بفيروس كورونا وليست زينة نرتديها
إخلاص القاضي - ترتدي الاربعينية سعاد الكمامة كسوار يلف معصمها، فيما يطيب للستيني عدنان تذيلها بأسفل ذقنه، بيد أن غيرهما يحملها بيده، أو يودعها بحقيبة اليد أو السيارة، وكأن اهميتها تكمن باقتنائها وحسب، وليس بضرورة ارتدائها كوقاية من "كورونا".
ويسارع آخرون لارتدائها قبل بضع خطوات من دورية شرطة، خوفا من تحرير مخالفة وفقا لأمر الدفاع رقم 11 الذي "يُلزِم أصحاب المنشآت والأفراد بضرورة الالتزام بأقصى درجات الحيطة والحذر، وفرض عقوبات على كلّ منشأة لا يلتزم العاملون فيها، أو مرتادوها بارتداء الكمامات"، إذ يذكر هذا المشهد بتصرف البعض حين يضعون حزام الأمان خوفا من تحرير مخالفة، وليس التزاما كليا بقواعد السلامة على الطرق. وبين من يرتدي الكمامة ك" اكسسوار"، ومن يعتبرها بلا فائدة، ومن " يشعر بالاختناق منها" ، ومن يرتديها مؤقتا خشية من المخالفة المالية، ثمة من لا يقتنع حتى الآن بأهميتها وضرورة الالتزام بها، فلا يريدها البتة، متسائلا عن جدواها، ومشككا احيانا بوجود المرض، في وقت يؤكد فيه أطباء ومعنيون أن التقيد الدائم بالكمامة كنهج حياة على الاقل في المدى المنظور، ثقافة تقي المجتعات من خطورة تصاعد وتيرة انتشار المرض، وتبدد الخشية من العودة الى مربعات بداية المرض وظروف الحجر والحظر.
ويشيروا لوكالة الانباء الاردنية (بترا) أن الازدياد النسبي لحالات الاصابة المحلية بفيروس كورونا المستجد تستدعي من الجميع، وأكثر من أي وقت مضى، ضرورة الالتزام بارتداء الكمامة اثناء مخالطة الآخرين وارتياد الاسواق والمجمعات، وفي أي ظرف يقتضي التعامل أو التحدث مع الآخرين في الأماكن العامة، وذلك بموازاة التقيد بسلوكيات التباعد الجسدي والنظافة والتعقيم والتي باتت معروفة للجميع. يقول أخصائي الامراض الصدرية الدكتور محمود الشبول: ليس مبررا على الاطلاق أن يتظاهر المرء بحيازته للكمامة بوضعها حول المعصم أو العنق، خوفا من تحرير مخالفة مالية له، بل أن في ذلك استهتارا غير مبرر على الاطلاق، وكأن الشخص يخدع نفسه قبل خداع الآخرين، حيث أنه عرضه للمرض الذي هو أخطر من مجرد الخوف من القيمة المادية للمخالفة على حد تعبيره. ويشدد على أهمية ارتداء الكمامة ذات الاستعمال الواحد، فعليا، لمرة واحدة فقط، وليس اعادة تدويرها، وضرورة التقيد بها في أوقات الخروج من المنزل والاختلاط وارتياد المنشآت والاسواق، مذكرا بضرورة تعقيم وتنظيف الكمامات القماشية من النوع القابل للغسيل يوميا، وعدم تركها هنا وهناك، بل الاحتفاظ بها في أوقات عدم استعمالها في المنزل في اماكن نظيفة ومعقمة. ويؤكد الشبول أن هذه المرحلة، وفي ظل وجود حالات كورونا محلية - وإن كانت بعدد لا ينذر بخطورة -، تدفع الى مزيد من الحيطة والحذر والوقاية بكل السبل.
وفي الإطار ذاته، يقول مستشار الاوبئة في الشبكة الشرق اوسطية للصحة المجتمعية الدكتور عادل البلبيسي، أن التعامل مع الكمامة كسوار يشي باستهتار البعض وتراخيه في التصدي لمنع انتشاره، مؤكدا أن ارتداء الكمامة الطبية المعقمة والنظيفة، والتي لم تستخدم سابقا، ولا يعاد تكرار استعمالها، هو جزء من الوعي المجتمعي الذي يدرك أهمية أن يحصن المرء نفسه من المرض حماية لنفسه وللمحيطين به في آن معا. وينتقد سلوكيات البعض ممن يرتادون الاماكن العامة، اذ يظهرون ارتداءهم للكمامات عند ابواب المجمعات والمولات، ويخلعونها لدى دخلوهم اليها وهذا وفقا له، أبعد ما يكون عن الوعي باهمية ارتدائها منعا لانتشار المرض، مشددا على ضرورة تعزيز الوعي بارتدائها ليس خوفا من تحرير مخالفة حماية للمجتمع برمته. ويحذر الدكتور البلبيسي، وفي ظل تسجيل حالات محلية ل "كورونا" في الايام القليلة الماضية، من التراخي في التعامل بجدية مع كل السلوكيات الصحية التي تسهم في الوقاية من المرض.
ويقول: " الالتزام بالكمامات مهم جدا، الآن دخلنا مرحلة مختلفة، وهي ليست بداية موجة ثانية"، انما نعيش ما اسماه ب "انتكاسة بسيطة" للوضع الوبائي، ونستطيع تجاوزها والانتصار عليها، كما فعلنا من قبل، مذكرا باهمية التقليل قدر الامكان من ارتياد الاماكن العامة والاختلاط، مطمئنا في الوقت ذاته بان الوضع الوبائي لدينا ما زال تحت السيطرة.
وحول تحليل الحالة النفسية لمن يتعامل "من البعض" باستهتار مع ارتداء الكمامة يقول الاستاذ المشارك في علم النفس الاكلينيكي في جامعة مؤتة الدكتور أحمد مطارنة: أن انماط تعاطي الناس مع الوباء تختلف من شخص لآخر، فمنهم من يأخذ الأمر بسهولة وضحك ونكات، وذلك للتغلب على الشعور الباطن بالقلق ومنعه من الارتفاع لحيز الشعور الظاهر، وهي حالة دفاع نفسي تحصن المرء من الاكتئاب والامراض، على حد تفسيره.
ويضيف: وهنالك من يتعامل بجدية مع الأمور فيحصن نفسه من الوباء ويلتزم بكل الاجراءات والتعليمات بمعزل عن خوفه من تحرير مخالفة مالية أم لا، فهو من النوع العقلاني الذي يدرك عواقب الأمور، مشددا على أهمية الالتزام التام بارتداء الكمامات وعدم اعتبارها من الكماليات الموجودة لغايات التفتيش عليها ليس الا. بدورها تعزو مديرة مركز دليلي إلى الابداع للتنمية البشرية ورفع الوعي الدكتورة رحمة أبو محفوظ تباين التزام البعض بارتداء الكمامات أو الاستهتار البعض الآخر بطريقة ارتدائها إلى وجود أربعة انماط من الشخصيات، الأولى وهي التحليلية التي لا تصدق أن هنالك مرضا الا اذا رأت بعينها شخصا قد اصيب فعليا، وربما يكون من أقاربها أو معارفها، اما الشخصية الثانية وهي المتفردة، صاحبة القرار السريع، التي تلتزم بالقرارات وما يصدر عنها، ومنها أمر الدفاع رقم 11، على سبيل المثال.
وتتابع: أما الشخصية الثالثة فهي العاطفية أو الودية التي تتأثر سريعا سواء عن طريق الصور أو الفيديوهات أو القصص المؤثرة التي تنتشر حول أي موضوع، ومنها ما يتعلق بجائحة كورونا وتداعياتها، فيما تتلخص الشخصية الرابعة بكونها تعبيرية متقلبة، تتعامل مع الاحداث بسخرية وفكاهة ولا تأخذ الامور بجدية، مشيرة الى أهمية أننا وبمعزل عن تلك الشخصيات علينا أن نتقمص دور الشخصية التي تتعامل بالتزام تام مع الوقاية من مرض كورونا وارتداء الكمامات حماية للفرد والمجتمع.
ووفقا للموقع الالكتروني لمنظمة الصحة العالمية فان استخدام الكمامات يشكل جزءا من حزمة شاملة من تدابير الوقاية والمكافحة التي يمكنها الحد من انتشار امراض فيروسية تنفسية معينة بما في ذلك كوفيد 19، ويمكن استخدام الكمامات اما لحماية الاشخاص الاصحاء، حيث ترتدى للحماية الذاتية عند المخالطة مع فرد مصاب بالعدوى، أو، للسيطرة على المصدر، فترتدى من قبل فرد مصاب بالعدوى لمنع الانتقال الى الآخرين.
بيد أن استخدام الكمامة وحدها، تبعا لذات الموقع، "لا يكفي لتوفير مستوى كاف من الحماية او السيطرة على المصدر، وينبغي كذلك اعتماد تدابير أخرى على المستوى الشخصي والمجتمعي لكبح انتشار الفيروسات التنفسية"، وانه من "المهم للغاية الامتثال لتدابير النظافة، نظافة اليدين والتباعد الاجتماعي وغيرها من تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها لمنع انتقال الفيروس من البشر الى البشر".
--(بترا)