الفراعنة الجدد



إن من أسباب تجدد ظهور الفراعنة الجدد بهذه الطريقة ؛وانتشارهم فى بلادنا بهذه الكثرة الكاثرة ،وكلهم يقول: أنا ربكم الأعلى ولا معقب لقراري ورأيي، لأنّ حوله هامان وجنودهما ،ولقابلية الشعوب للاستبداد ، نتيجةً للقهر بالقتل والذبح والتخويف والسجون.

وبما يملكونه من سحرة جدد ،وهي أجهزة إعلام جبارة تتقن التضليل والتشويش ،وتسحر عقول الناس، يجعلون العصا ثعباناً تقلب الباطل حقاً ،فتُخْرِجُ شالجماهيرَ تهتفُ لجلادِها المُضَيّع لحقوقهم ،بالروح بالدم رغم أن آثار سياطه على ظهورهم تدمي.

نعم هذا ما كشفه الواقع الذي نعيشه للكثير من الحقائق والافتراضات الكاذبة والخاطئة ؛التي كانت تُسَوَّقُ علينا من قبل بعض أدعياء حماة الحرية ،لتحتلّ حيزًا من ثقافتنا ،ولكنّ أقعالهم وسلوكاتهم التي تخالف مقتضى الواقع، فضحتهم وعرّتهم ،بعد أن تجرّدوا من كل شيء ،فظهروا على حقيقتهم من دون غطاء يسترهم، بشخصية باطنية ،تتخفى خلف قناع من الكذب والحقد والشر ،ترسم فكرًا مخيفًا - سطحيًا - تجاه المخالف ،ومع هذا فلا تتوانى أن تَسِمَهُ بِمِيَسمٍ من نار ،وتشعل له الحرائق.

لقد ثبت بالديل القاطع أن (فراعنة العصر) تجرؤا على فعل ما لم يجرؤ على فعله (فرعون موسى) يريدون أن يسلخونا من أرضنا وهويتنا ومبادئنا ويحولونا بلا مشاعر وأحاسيس ،لقد أماطوا اللثام عن وجوهٍ ذات أقنعةٍ بالغة المرونة ،طلاؤها حصافة وقعرها رعونة ،قد صفق إبليس لها مندهشا ،وباعهم فنونه.

حكى الله – عزّ وجل – قول فرعون في آية قالها في حلقة من الحلقات التي كانت تبث من مؤتمرات الاستخفاف لخاصته، والتي وجه خطابه فيها لقومه، وهو يتلبس فيه لباس المخلِّص لهم، الساعي لمصلحتهم، الحريص على ما ينفعهم، والذي يبتغي هدايتهم، ويعمل على نصرتهم، فادعى أنه لم يقل هذا القول؛ إلا لأنه يراه صوابًا، ويعتقده نافعًا، وهاديًا إلى الرشاد قال الله تعالى:[ ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد] .

وهكذا هي حال مؤتمراتهم على مر الأزمان ،تنضح بالفكر القمعي، والمتسلط المستبد، التي تنبعث منها رائحة الأنا الغاشمة، والدكتاتورية البائسة، ويحفّها الكِبْرُ والغرور، ويلفّها العنف والنفور ،وهي سياسة يمتطي صهوتها الجبابرة العتاة ،المعجبون بوسمها ورسمها كيفما كانت! ويلقنونها لمتلقيهم السذّج ، وتلامذتهم الهَمَج ، ممّن هم على شاكلتهم ،ما يجعلك تحار معها، وتتساءل هل تسميها طوامًا وأوابد، أم غرائب وعجائب؟!

ومن أغرب ما رأيت في هذا الباب ووقفت عليه، ما وصل الحال بهؤلاء - وهو كثير كما لا يخفى - ما ذكره الجاحظ في درّته البيان والتبيين قال :"خطب عدي بن زياد الإيادي فقال: أقول كما قال العبد الصالح : ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾، فقالوا له: ليس هذا من قول عبد صالح، إنما هو من قول فرعون. فقال: من قاله فقد أحسن!!.

فانظر إلى أي مدى قد بلغ الحال بهم ،لتزداد عجبًا وتعجبًا ،ثم تأمل كيف يجمع الطغاة إلى باطلهم ، وقهرهم وقمعهم ،جهلهم بكتاب الله - عز وجل -!!

إنما هي سياسة الأمر الواقع ،سياسة قمعية تسعى لمنع كل من يخالف باطلهم ،فلا صرير فيها لقلم حر، ولا لصوت يحمل الحق، ولا لهتاف نزيه، بل للأقلام الهابطة، والأصوات الفاجرة، والقيم المتدنية، وكل ما من شأنه أن يلهج بذكرها، ويسبح بحمدها، ليلًا ونهارًا ،سرًا وإعلانًا.

التحدي الكبير أمامنا ،هو الوعي بقضية الصراع بين الحق والباطل ،ومن ثم الثبات ،لعل الله يخرج من بيننا مثل موسى ،يصدع بالحق ويتفانى في خدمة شعبه وأمته.