المهرولون نحو التطبيع على خُطا أعرابي زمزم؟!
روى الإمام ابن الجوزي – رحمه الله - حادثة وقعت أثناء الحج في زمانه؛ إذ بينما الحجاج يطوفون بالكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم ،قام أعرابي فحسر عن ثوبه، ثم بال في البئر والناس ينظرون ، فما كان من الحجاج إلا أن انهالوا عليه بالضرب حتى كاد يموت، وخلّصه الحرس منهم، وجاؤوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الأعرابي: "أردت أن أُذكر ولو باللعنات".!!
ومع بشاعة هذا الفعل وفضاعته في آن واحد ،إلا أن هذا الأعرابي قد سطر اسمه في التأريخ رمزاً للسفالة والحماقة ،وإلا فما الذي دفعه لفعلته الشنعاء ،إلا حب الشهرة، ولو بالولوج من أحط الأبواب وأحقرها.
وبرغم كل ما في الفعل من بذاءة وصفاقة ،إلا أنه يتكرر في كل زمان ،فتلاميذ الأعرابي الذين تخرجوا من مدرسته كُثرٌ ،ينتهجون نهجه في فعل كل ما هو شاذ ومستهجن ومثير للجدل ،فقط ليقال هذا فلان الذي أتى بالغريب الشاذ.
وفي عصرنا الراهن ،أصبح فعل الأعرابي في زمزم سُنّة ،يحتذي بها بعض من استحسن فكرته السخيفة ، من قادة الضياع المتسورين على ثوابت الأمة وإرثها التاريخي ، بزعم منهم - والزعم مطية الكذب – أنهم حريصون على خدمة «القضية الفلسطينية»
الناظر في حال الكثير من هواة الصعود ،يعمدون إلى الاستفادة من مدرسة ذاك الأعرابي، والاعتبار بمنهجه البراغماتي ،للدوس على كافة القيم والمبادئ ، فتقيأوا المستور في داخلهم إلى عمق المفضوح ، من أجل شيء واحد ،وهو الشهرة والمجد ،ولو يقال : هذا الذي بال في بئر زمزم ،غير آبهين بما سيلحقهم من خزي وعار.
إن هؤلاء المهرولين نحو التطبيع ، يحرثون في زمن الجدب من أجل حصاد وافر ،وليس عندي ما أقوله لهم إلا ما كانت تقوله جدتي - رحمها الله - : (أنتم مثل الديك...بتعلفه..بتعلفه...ولما تيجي تذبحه ما يعشّيكيش ليلة)فانتم كـ"دِيكِ" جدتي. ،أكْثَروا لكم العلف ، لكنكم بقيتم بلا قيم ولا مبادئ.
وعالمنا العربي وللأسف الشديد ،يحوي الكثير من هذه النماذج المكررة لهذا الديك ،التي تؤكد نظرية التفوق الهامشي للزبد والعلو الوقتي للدخان الأسود ،من قادة الضياع الفكريّ ،والانحراف السلوكيّ ،والفساد والإفساد الأخلاقيّ في الأرض ،يؤازرهم المنافقون المتشدّقون ،والجهلة المغفّلون ،الذين يستخدمون علمهم لتبرير فسادهم ،والتماس الأعذار للسقوط والانحراف ،وخلط الحقّ بالباطل ،حتّى تضيع معالم الحقيقة ،في نظر العامّة.
وللمفارقة العجيبة فإن استاذ هؤلاء ومعلمهم الأول – الأعرابي – قد نال ضربات قاسية ،ومسبات فضيعة على فعلته الشنيعة ،إلا أن تلامذته النجباء اليوم ،ينالون الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير على أفعالهم المشينة.
فتبًا لهم ولإستاذهم وتبْ الذي سجّل التاريخ نكبته وحمّلنا تبعة بولته النكدة في مشارب الناس؟!
وصدق نزار عندما قال:
ودخلنا في زمان الهرولة..
ووقفنا بالطوابير, كأغنامٍ أمام المقصلة.
وركضنا.. و لهثنا..
وتسابقنا لتقبيل حذاء القتلة.