معضلة الاقتصاد الأردني والخروج من الوصفات الجاهزة والتقليدية!

لن ينتهي الجدل الاقتصادي لأن الحياة المعيشية للناس ومستقبلهم ورفاههم يعتمد على كفاءة الحياة الاقتصادية، وما خلفته جائحة فيروس كورونا لن يقف عند ثنائية الصحة والمرض والتعليم، بل وصل الاقتصاد والاجتماع والأمن. والدولة معنية في الأيام القادمة بان تكون لها اليد العليا في البنية الاقتصادية والمالية وستحتاج إلى خبراء وعقول اقتصادية غير تقليدية للمحاولة للخروج من حقول الغام قادمة وان تمتلك القوة والمناعة لمواجهة المتاعب الاقتصادية، وان تعمل على عقلنة الفعل الاقتصادي خوفاً من الانهيار المفاجئ. 

لعقود طويلة اعتمد الاقتصاد الأردني على المنح والمساعدات والهبات التي لا ضمانة لاستمرارها واعتمد بشكل كبير على الاقتراض وتحصيل الضرائب لرفد الخزينة فمن المجحف حقيقة تحميل الحكومة الحالية المسؤولية الكاملة لإنقاذ الوضع الاقتصادي، كما لا يمكن الاتكال على الدول والمؤسسات المانحة كونها أيضا تعاني من أزمات، وان لا نُثقل على القطاع الخاص اكثر من طاقة تحمله، فالأيام القادمة صعبة ولا يمكن التكهن بعمقها. 

سابقاً وللأسف كانت مؤشرات التحسن الاقتصادي وهمية وانجازات رقمية تعتمد على المنح والقروض والمساعدات فمعظم الخطط التي وضعت بشكل عام لإنعاش الاقتصاد وتنميته كانت دون رؤية واضحة وكانت تدور في فلك الأحلام والأمنيات، الأمر الذي يحتم علينا الان ان تكون لدى الدولة خطة إنقاذية شاملة وجديدة في إدارة الاقتصاد، فجميع الخطط السابقة لم تتمكن من اخراج الاقتصاد من ازماته فالنقاش اصبح عبثيا ومبالغا فيه في توظيف حلول اقتصادية، فمن الصعب الان ان نطمح لنمو اقتصادي حقيقي دون رصد لمستوى الإنتاجية. 

لا بد لنا من التفريق بين الأعراض والمرض والمسكنات والعلاج طويل الأمد، فلمدة طويلة ونحن تحت وقع حالة من الفكر الاقتصادي لا نفرق بين النمو الحقيقي لاقتصاد ينبع من عوامل الإنتاج، فالاقتصاد الأردني وكما يعرف الجميع يعاني من تحديات كبرى من صغر السوق المحلي ومحدودية الأسواق التقليدية وخصوصاً للمنتجات الزراعية وضيقاً للقاعدة الإنتاجية وارتفاعاً في محتوى الاستيراد وتكلفة باهظة في توليد الكهرباء والنقص الحاد في المياه وضألة في تدفق الاستثمارات وارتفاعاً في كلف التمويل لمدخلات الإنتاج، وتواضعا في الإنفاق على الأبحاث العلمية والتطوير فالاردن بحاجة إلى الاستفادة من تجارب الدول التي واجهت ظروفاً تنموية صعبة وعانت من تعثر وتذبذب في معدل نموها الاقتصادي ومن اتساع قاعدة الفقر والبطالة. 

من الصعب ان تنهض الأردن دون ان تخطط لمواردها بطريقة صحيحة فسابقاً تسبب النموذج الاقتصادي الريعي للدولة الأردنية في ايجاد نمط من النمو يتسم بالتذبذب وعدم الاستقرار نتيجة ارتباطه بعوامل خارجية بحيث اثر على بنية الدولة الاقتصادية وعلى سلوك المواطن نتيجة اعتماده الكلي على ما تنفقه الدولة من أموال مصدرها الريع، وتسبب في استفحال معضلة البطالة وعمل على تعطيل روح المبادرة والرغبة في الاستثمار، فالنموذج الريعي ادى إلى تشجيع الاستثمارات ذات العائد المرتفع والسريع كسوق العقار والمضاربة المالية بدلا من التوجه نحو الاستثمارات المنتجة والتي عادة ما تتطلب وقتاً اطول لجني ارباحها فأية خطط قادمة لإنعاش الاقتصاد لا بد لها ان تُغطي القطاعات الاقتصادية الحيوية المُحركة للنمو مثل الطاقة والمياه والصناعة والتجارة والنقل والسياحة والإنشاءات والزراعة والخدمات المهنية والصحة والتعليم وأن تُحضر لأرضية صلبة لمستقبل الاقتصاد الأردني وان لا تكون فقط لبلسمة جروح نتجت عن أزمات وان تُمثل حجر زاوية في بناء حصانة الدولة الاقتصادية.