د.سعد جابر وملحمة مايو كلينيك!
تامر خرمه_ وزير الصحة، د. سعد جابر، اعتبر أن الانتقادات التي يوجهها الأردنيون لوزارة الصحة هي "ضريبة العمل والنجاح"، مضيفا في تصريحاته: "يطالبوننا بخدمات مايو كلينيك بإمكانات دولة فقيرة"!
لغة غريبة لم نعهدها ندت عن وزير الصحة لتعبر عن عقلية حكومة الرزاز، التي تلوذ دوما إلى تحميل الشعب مسؤولية فشلها الإداري، وتخبطها المستمر قبل وبعد أزمة الكورونا.
الأردنيون لا تعنيهم مجموعة مايو كلينيك الأميركية، ولا يطالبون بخدماتها.. كل ما طالب به الناس هو الحيلولة دون وفاة الأطفال على أبواب المستشفيات بذريعة عدم توفر الأسرة.
وزارة الصحة، التي طالما تباهت بإنجازاتها فيما يتعلق بإدارة ملف الكورونا، معتبرة أنها حققت النجومية العالمية بهذا الصدد، تتناسى كافة تصريحات المسؤولين السابقة، وتلجأ على لسان الوزير إلى استجداء التعاطف عبر إظهار ضعفها مقارنة بمايو كلينيك!
إذا كانت المقارنة هي "الكرت" الذي ترغب الحكومة بلعبه على طاولة المناورات والتهرب من المسؤولية، فلماذا لا نقارن أنفسنا بدولة فقيرة أخرى، مثل كوبا، التي تعرضت لحصار اليانكيز على مدار عقود، وتقطعت بها السبل منذ انهيار الاتحاد السوفيييتي في العام 1991، ومع ذلك حققت أنموذجا يتفوق على كل المنظومة الصحية الأميركية، وأتاحت أفضل الخدمات العلاجية والرعاية الصحية لكافة مواطنيها، بالمجان!
المسألة لا تتعلق بغنى إمكانيات الدولة أو فقرها، بل بترتيب الأولويات وسبل الإدارة. أية دولة على وجه هذا الكوكب قادرة على تطوير قطاعها الصحي في حال توفرت الإرادة لتحقيق ذلك. بعض الدول مثلا تعتبر أن زيادة عدد الأسرة في المستشفيات أهم وأولى من زيادتها في السجون.. دول أخرى ترى عكس ذلك.. فالقضية قضية أولويات.
تصريحات وزير الصحة دفعت نشطاء إلى إطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بإقالته.. ردة فعل طبيعية على هذه اللهجة التي لا تعني سوى التنصل من المسؤولية.. ولكن..
القضية لا تتعلق بشخص وزير الصحة، ولا بأي وجه رسمي، ولا يمكن تحقيق التقدم في هذا البلد عبر تغيير الوجوه، وإعادة توزيع المناصب السياسية.. القضية هي قضية نهج، واختيار ما بين الانحياز الحقيقي للوطن والمواطن أو للمصالح الآنية الضيقة وتسجيل الإنجازات الوهمية.
منذ بدء الأزمة بات جليا أن المطلوب هو الاعتماد على الذات، وتحفيز الإنتاج المحلي، خاصة في قطاعي الغذاء والدواء، إلى جانب تطوير القطاع الصحي، وإنشاء مستشفيات ميدانية خاصة بالكورونا، وهذا لا يحتاج إلى إمكانيات خارقة يعجز عنها الأردن.
عوضا عن ذلك، لجأت حكومة الرزاز إلى سياسة الحظر وأوامر الدفاع، ووقف التعيينات، وتحويل مستشفى الأمير حمزة إلى مستشفى خاص بالكورونا!
هذه الحلول لم تقد سوى إلى مزيد من الفشل في إدارة الأزمة، وقوضت القطاع الصحي العام، عوضا عن دعمه وتطويره. حتى بعد إنشاء مستشفى الطوارئ في البشير، أحجمت حكومة الرزاز عن تزويده بالأطباء والكادر التمريضي.
جابر كشف في تصريحاته أنه وجه 10 كتب إلى الحكومة، لتزويد وزارة الصحة بالكوادر الطبية، ولكن كانت النتيجة رفض الاستجابة لعدد من هذه الكتب!
حكومة الرزاز التي تأبطت ذريعة الكورونا لتبرير كافة قراراتها غير الشعبية، والتي أفضت إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، تتجاهل ضرورة تطوير القطاع الصحي ورفده بالكوادر والمعدات اللازمة.. ترى، ما علاقة انتقاد هذا التخبط بمايو كلينيك وأخواتها؟!