سياسيون يحذرون من تداعيات تطبيع دول عربية على الأردن والقضية الفلسطينية
أحمد عكور- تداعيات خطيرة لعملية التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني ستكون لها انعكاساتها على القضية الفلسطينية، والمصلحة الوطنية الأردنية على حد سواء، وذلك بعد أن سارعت كل من الإمارات والبحرين إلى هذا التطبيع، بعيدا عن مبادرة السلام العربية، ومبدأ الأرض مقابل السلام.
كما أن هذه التطورات تأتي في ظل إصرار واشنطن على فرض ما يسمى بصفقة القرن، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية على حساب الوجود الأردني، وبالتوازي مع قرار الإحتلال بضم أراضي من الضفة الغربية، بالإضافة إلى غور الأردن.
العبادي: يريدون السلام مقابل السلام وليس الأرض
نائب رئيس الوزراء الأسبق، د. ممدوح العبادي، أكد أن ما يحدث يعد سابقة خطيرة في العلاقات العربية "الاسرائيلية"، ولا يعكس أبدا الاتفاقيات العربية، وعلاقات الأخوة، فيما يتعلق بالقضية المركزية الأولى، قضية فلسطين.
وأضاف العبادي في حديثه للأردن 24 إن ما عمدت إليه الإمارات والبحرين لا ينعكس إيجابيا على المبادرة العربية التي تم الاتفاق عليها، مشيرا إلى أن اختراق الاتفاقيات التي وحدت العرب في هذه القضية بدأ من دولتين شقيقتين، تربطنا بهما علاقة ود وصداقة وأخوة، ومواقف مشتركة.
ولفت إلى أن المطروح من قبل الإسرائيليين هو السلام مقابل السلام، وليس السلام مقابل الأرض، موضحا بأن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، صرح في اليوم التالي من بدء العلاقات مع الإمارات بأن "الضم" سيكون قريبا، وأن هذا المشروع لن يتوقف.
وتابع بقوله: "نقول للأخوة في الإمارات والبحرين أن مسألة ضم الغور هي قضية وطنية بالنسبة للأردن.. لم يشاورونا لأنهم لا يعرفون ماهية العلاقة مع اسرائيل، وطبيعة نتنياهو الخبيث المتقلب".
وأكد العبادي أن موقف الدولة الأردنية فيما يتعلق بعملية السلام هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران، مشددا على أن الأردن متمسك بهذا الموقف شعبا وحكومة وملكا.
ونوه بأنه يتوجب على الدولة الأردنية أن تساعد الإعلام ليعكس مدى ردة الفعل الشعبي الأردني الغاضبة. وأضاف: "أنا واثق من أن الشعب العروبي في البحرين والإمارات ضد هذه الاتفاقيات المهينة، التي لا تعكس رأي الشعوب، ولا روح القضية الفلسطينية، التي هي قضية المقدسات العربية".
وقال نائب رئيس الوزراء الأسبق: "أجزم بأن هذه الاتفاقيات ستكون سحابة صيف، وأن الأمور ستعود إلى نصابها، لتبقى القضية الفلسطينية هي قضيتنا المركزية الأولى.. وسنبقى وراء القيادة الفلسطينية في موقفها"، لافتا في ذات السياق إلى أن الفلسطينيين اتفقوا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على رفض هذه الاتفاقيات.
وفيما يتعلق بصفقة القرن، أشار العبادي إلى أن المسألة بدأت بحضور سفراء هذه الدول لمؤتمر إعلان صفقة القرن في الولايات المتحدة، ما أعطى انطباعا بموافقة هذه الدول على هذه الصفقة، التي بدأ التحضير للاعتراف بها من أشهر، بل وسنوات.
وأضاف: هذا الاعتراف بصفقة القرن لا يعني شيء، فالقضية الفلسطينية هي قضية الشعب الفلسطيني أولا، والدول العربية المحيطة، ذات القوة الحقيقية على أرض الواقع.
ذياب: حلقة في سلسلة الانحدار الرسمي العربي
ومن جانبه قال الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، د. سعيد ذياب، إن هذه التطورات تمثل إحدى حلقات سلسلة الانحدار الرسمي العربي، مؤكدا أن هذه السلسلة ستستمر لأن التطبيع هدف صهيوني وأميركي، من أجل إعطاء شرعية للوجود الصهيوني في المنطقة العربية.
وأضاف ذياب في حديثه للأردن24 إن استمرار هذه الحلقات يأتي في سياق ضرب النظام الإقليمي العربي، مبينا أن مفهوم الجامعة العربية سيطرح بعد فترة في سياق جدوى استمرارها، لتطرح عوضا عنها جامعة شرق أوسطية، تكون اسرائيل جزء منها.
وحذر من هذا المسار الذي من شأنه ضرب الأمن الوطني الأردني، والقضية الفلسطينية، وقضية سورية، بل والأمن القومي العربي بأسره، ما يستوجب "حركة مسؤولة لا نتوقعها من النظام الرسمي العربي، ولكن الرهان على الشعب، وعلى الناس أن تدرك حجم المخاطر التي تهدد وجودنا كدولة وأمة".
وشدد ذياب على ضرورة إعادة النظر في كل المسار السياسي الذي مضت فيه الأنظمة العربية، التي يفترض أنها اكتشفت وأدركت أن السلام مع العدو لن يكون سوى مدخل لهيمنته.
وأكد أن ما يحدث هو خطوات على تكريس واقع صفقة القرن، التي ترتكز على التطبيع الكامل قبل تحقيق السلام، أو تثبيت أي حقوق الفلسطينيين، وبالتالي تجب قراءة التطبيع البحريني والإماراتي، وما سيأتي بعده، في هذا السياق.
الحوارات: الأردن لم يخسر دوره الاستراتيجي ولا أوراقه
ومن جانبه، قال المحلل السياسي، الدكتور منذر الحوارات، إن توقيع دول عربية اتفاقيات على تطبيع العلاقات مع الاحتلال الصهيوني يمسّ أولا بالمبادرة العربية للسلام والقائمة على مبدأ أن لا سلام مع كيان الاحتلال دون حلّ عادل للقضية الفلسطينية، كما أنه يشكّل خرقا لمبادئ الجامعة العربية، مشيرا إلى أن انسياق تلك الدول وراء الولايات المتحدة وعقدها اتفاقيات سلام بشكل فردي ودون ثمنٍ يدفعه العدوّ يعتبر مكافأة للاحتلال الطويل الذي جثم على صدور الفلسطينيين، ويعتبر مكافأة أيضا لليمين الاسرائيلي الذي تعنت بقراراته وسياساته بالاستيطان وخطط الضم المخالفة لقرارات الشرعية الدولية وتهضم الحقوق الفلسطينية.
واعتبر الحوارات الحديث عن "الاستثمار مقابل السلام" بمثابة الجريمة، حيث أنه "لا استثمار دون سلام، ولا سلام دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم"، معبّرا في ذات السياق عن أسفه لتبرير الاتفاقيات الجديدة بأنها مقدمة لتحالف استراتيجي ضد (ايران، وتركيا)، حيث أن هذا التحالف ينقل الهيمنة على المنطقة العربية من دولة مثل أمريكا إلى كيان الاحتلال، كما أنه سيمنح الاحتلال فرصة التدخل والتحكّم في المنظومة العربية المتهالكة بشكل مباشر بعدما كانت تستنجد سابقا بالولايات المتحدة لتحقيق ذلك، وستنقل اسرائيل من التحكم بالأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السيطرة والهيمنة على مؤسسات سياسية واقتصادية في الوطن العربي وشبه الجزيرة العربية.
ولفت إلى أن (تركيا وايران) دول أصيلة في المنطقة، ورغم أنها قد تشكل خطرا على بعض الدول ومصالحها، لكن وفي لحظة ما يمكن التواصل معها على تفاهم لايجاد معادلة للقوة، أما اسرائيل وطالما انها مدعومة من الولايات المتحدة فإن ردعها أمر شبه مستحيل، مشددا على أن التحالف مع الاحتلال لمواجهة دول أخرى هي خسارة استراتيجية كبيرة، وسيضرّ بالدول العربية التي ستعضّ أصابعها ندما بعد أن تكشف حجم الضرر والاستغلال الذي ستمارسه اسرائيل عليها.
وحول أثر الاتفاقيات العربية على الأردن، قال الحوارات إن الأردن خسر دعم دولتين عربيتين في دعم قضية عادلة، كما أن المملكة تعتبر خاسرة لأن أولوية القضية الفلسطينية تنحرف عن مكانها وأطر الحلّ المطلوب، بالاضافة إلى خسارته نتيجة بعض المساومات التي تمت على الأماكن المقدسة والتي تحاول استثناء الأردن باعتباره الراعي والشريك الرسمي في ذلك، بالاضافة إلى أن الأردن يعتبر خاسرا من أي خطوة أحادية الجانب خاصة التي لا تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الفلسطينية والعربية العليا والتي تعتبر اسرائيل العدوّ الاستراتيجي الأول.
واستدرك الحوارات بالقول: "ورغم كلّ تلك الخسارات، إلا أن الأمر المهمّ أن أيّ خطوة لا يمكن أن تتحقق دون موافقة الأردن، سواء فيما يتعلق بخطّ النفط أو سكة القطارات أو تعزيز التبادل التجاري المزمع اقامتها بين دول خليجية والاحتلال"، مشددا على أن الأردن لم يخسر دوره الاستراتيجي ولم يخسر أوراقه.
وأكد على ضرورة أن يُراجع الأردن ويستثمر الامكانيات والأوراق التي يملكها لفرض رؤيته، مشيرا إلى أن الأردن يملك ميزتين لا يمكن أن يخسرهما، وهي الورقة الجيوسياسية، والثانية القدرة على توحيد الفلسطينيين، مشددا على أن اسرائيل لا يمكن أن تكون آمنة طالما أن علاقاتها مع الأردن متوترة ولا تستطيع أن تحقق السلام إذا ما زُعزع الاستقرار في الأردن.
وأشار إلى أن اسرائيل تحاول فرض أمر واقع وخارج سياق الشرعية الدولية، ليكون حلّ القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهو ما يرفضه الأردنيون والفلسطينيون الذي يتمسكون ومن ورائهم الأوروبيين بالحلّ العادل للقضية الفلسطينية وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية.
واختتم الحوارات حديثه بالقول إن الدول العربية ورغم أنها أضعفت موقف الأردن بخياراتها، إلا أن الواجب علينا التعامل مع هذا الواقع بحكمة وبراغماتية تحقق مصالحنا العليا.