الخيانة قصة لا تريد أن تموت قبل أن تميتنا



إن ممّا يدعونا للحزن والأسف ،أنّ أمتَنا التي كانت فيما مضى فاعلة ومؤثرة ،أصبحت اليوم ببركة زعاماتها (من سقط المتاع) وهو وصف بالغ السوء ،وأول من استخدمه الشاعر قطري بن الفجاءة في قصيدته الذائعة الصيت وفيها يقول : [وما للمرءِ خيرٌ في حياةٍ * إذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ] مما جعلها في ذيل الأمم وفي مصاف الدول المقهورة والمغلوبة على أمرها ،تابعا ذليلا لكل كلاب الأرض بما فيهم أحفاد القردة والخنازير.

الخيانة التي تعيش على جدران الأمة بأرواح القطط ،كلما قبضت منها روحا ولّدت فيها أرواحا ،وكلما طهّرت منها جانبَا تنجَسَت جوانبًا ،هي من أوصلنا إلى هذه الحال المزرية والمعيبة.

لقد صُدِمَ الكثيرون باصطفاف عدد من الأنظمة العربية ،ومن لف لفيفهم من متردية الكتاب والمهرجين والطبالين والمنافقين ونطيحتهم مع «إسرائيل» ضد ثوابت الأمة ومقدساتها! الأمر الذي يستدعى وصف هؤلاء ولأول مرة في أدبنا السياسيّ بـ«الصهاينة العرب» فغدت لدينا - ولأول مرة - «صهيونية عربية» تقارب «الصهيونية المسيحيّة» التي نشأت في صفوف البروتستانتية الغربية ،والتي مارست وما زالت دورًا سياسيًا ودينيًا كبيراً في إقامة ودعم الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

صدمةُ هؤلاء ودهشتُهم ،كادت تفقدهم الوعي الذي يُثبٍتُ الحقيقة التي تقول:إنّه وكما أنّ للبطولات الوطنيّة وللجهاد والمجاهدين جذوراً وتاريخاً، فإن للخيانات - كذلك - جذوراً وتواريخ!

ولعل أقدم الخيانات في سجلّ تاريخنا العربي ،والتي تعد مرتكزا أساسيا لكل الخيانات ،تلك التي اقترفها سيء الذكر المدعو «أبورغال - قسي بن منبه بن النبيت بن يقدم» (نحو 50ق.هـ ـ 575م) من أهل الطائف، في ديار ثقيف، فإبّان زحف جيش «أبرهة الحبشي» (53ق.هـ ـ 571م) على مكة لهدم الكعبة، وقطع الطريق على النهوض العربي الذي أطل زمانه، وفي ظل إجماع عربي ضد "أصحاب الفيل" الذين واجهوا وهم في طريقهم من اليمن إلى مكة مقاومة شديدة من القبائل العربية ،ولكنّ الخيانة زينت لـ «أبي رغال» الخروج على الإجماع العربي كما هي حال الكثير منّا اليوم، فتطوع ليكون دليلاً لجيش ابرهة ،يقودهم إلى احتلال مكة وهدم بيت الله الحرام.

وفي الطريق قبل الوصول إلى مكة أصيب أبا رغال بمرض عضال أهلكه .. فلم يكمل مسيرته ... في جناية عجيبة تحكى مع تطور الزمن تطور الخيانة أيضا ... فقد هلك أبو رغال في الطريق قبل أن يصل بينما تهلك اليوم أمتنا بين يدي الخونة الواصلون والمتصلون والمتحكمون في أقدارنا ..!

ولقد ظلت الذاكرة العربية واعية ببشاعة هذه الخيانة، فكان أحرار العرب يرجمونه بالحجارة كلما مروا به كما يرمي المسلمون الشيطان بالجمرات في موسم الحج من كل عام! وقد فعل هذ الرسول - صلى الله عليه وسلم – عندما مرّبقبر «أبي رغال» فرجمه وأمر برجمه، فأصبح ذلك سُنة، سجلها الشاعر العربي «جرير» في هجائيته التي خلدت لنا أحداثها حين أراد أن يهجو الفرزدق فراح قائلا:
إذا مات الفرزدق فارجموه .. كما ترمون قبر أبي رغال.

فأول زعيم عربي خان أمته وتآمر عليها ووقف إلى جانب أعدائها كان في الأندلس وهو «سليمان الأعرابي».. التاريخ هنا لم يحفظ اسمه لكنه ألقاه في مزبلته.

وهي ذات السُّنة التي نراها الآن من بعض زعماء العرب اليوم التي يجللها الخزي والعار والتي مثلت وتمثل صفحة سوداء في التاريخ الذي نعيش فيه.

فـ«أبو رغال» - الجد الأعلى للصهاينة العرب - قد هلك مع هلالك جيش أبرهة، ولا يزال قبره يُرجم حتى اليوم، وسيظل كذلك؛ إعلاناً عن مصير الخيانات والخونة في كل زمان ومكان،ولن يحفظ التاريخ اسماءهم ،هو فقط يبصق عليه بشكل سريع!

إن الرجم لهؤلاء الخونة لهو أقل ما تستطيع الشعوب الحرة فعله اليوم لتعلن أنها باقيه خلف حدود الكرامة والشرف والإخلاص لوطنها ومبادئها ثابتة في وجه كل من يحاول اقتحام حدها أو مس سيادتها وكرامتها وحريتها واستقلال أوطانها.