طبقية التعليم ضمن أجندة حكومة الرزاز!

 محرر الشؤون التعليمية - طبقية التعليم بدأت تشق طريقها عبر القرارات الحكومية التي تستهدف تقويض نزاهة وعدالة فرص التعليم الجامعي، من خلال تجريد امتحان الثانوية العامة من قيمته كمعيار حقيقي ومحايد لتمايز الطلبة، تمهيدا لإلغائه.


آخر القرارات الحكومية المتعلقة بهذا الملف تمثلت في قرار مجلس التعليم العالي المتعلق بقبول الطلبة في التخصصات الجامعية بناء على علامة مركّبة، على النحو التالي: (60% من مجموع (50% من مجموع علامات الطالب في امتحان الثانوية العامة، و 50% من مجموع علامة الطالب في مبحثين أو ثلاثة من المباحث الدراسية ذات العلاقة بالكلية أو حقل التخصص) + 40% (امتحان قبول جامعي من شقّين يشمل قياس القدرات الأكاديمية العامة والقدرات التحصيلية الخاصة)).

في بعض الدول توجد أنظمة من هذا النوع، الذي يعتمد امتحان القبول الجامعي كمعيار، مع أخذ نتائج الثانوية العامة بعين الاعتبار، ولكن هل يمكن تطبيق مثل هذا الأنموذج في الأردن؟

في تلك المجتمعات لا توجد أزمة ثقة، ولا تترسخ قيمة الواسطة والمحسوبية كجزء من ثقافة لا تمانع الانقضاض على حقوق الآخرين وفرصهم بأنانية تفرض سطوتها على أسس العدالة والنزاهة والشفافية.. وهذا لا ينطبق على الأردن، الذي وجد في نظام "التوجيهي" الضمانة الحقيقية الوحيدة لحقوق الغلابى من الطلبة.

الأزمة هنا هي أزمة ثقة، تحول دون القبول بأية صيغة بديلة، في ظل غياب المعايير الضامنة لعدالة التنافس، ومساواة الفرص.

هذه الأزمة تتحمل مسؤوليتها السلطة التنفيذية، التي فرضت علينا الدوران في حلقة مفرغة، يجري خلالها هدم البنى القديمة، دون تهيئة الظروف المناسبة لأية بنى جديدة أكثر تطورا وتقدما.

وإلى جانب أزمة الثقة، تتفاقم المخاوف المتعلقة بانسحاب الدولة تماما من دورها، وتنازلها عن كل شيء لصالح رأس المال، سواء في مجال الصحة أو التربية والتعليم أو التعليم العالي.

التعليم بات بالفعل حكرا على الأغنياء، فالرسوم الجامعية لم تعد ضمن إطار المعقول بالنسبة للطبقة الوسطى.. وحتى المنح تحولت إلى قروض ثقيلة، يتحملها الخريج في مقتبل حياته العملية.

في هذا الإطار يأتي قرار وزارة التعليم العالي الأخير، الذي يحرم الفقراء من مجرد التفكير في وجود أية فرصة لحياة أفضل.

البنى القديمة التي كانت تحافظ على الحد الأدنى من العدالة بدأت تتفكك، دون وجود أية إمكانية واقعية لحلول بديل عصري قابل للحياة.. وهكذا بدأنا نحترف مشية الغراب، بعد أن تناسينا قديمنا، دون تعلم كيفية التعامل مع ما هو جديد.

بصراحة، ما نشهده من تفسيخ وتفكيك للبنى القديمة لا يمكن أن يكون بريئا أو عفويا، وتستحيل قراءته في سياق تطور طبيعي، فكل شيء تقرر انهياره دفعة واحدة، بدء بالمناهج المدرسية، وليس انتهاء بهذا القرار الأخير.

وهكذا فإن هذه الخطوة هي بداية هدم لكل فرص التنافس العادل بين الطلبة، لتكون الغلبة محسومة لأبناء الأثرياء من خريجي المدارس الخاصة، بعد تهميش أبناء البادية والريف والمخيمات، خاصة عندما يكون امتحان القبول الجامعي باللغة الإنجليزية من جهة، وفي ظل غياب أية معايير تضمن نزاهة وحيادية هذا الامتحان، بعيدا عن يد الواسطة والمحسوبية، من جهة أخرى.


محاولات العبث بأسس العدالة بدأت تتجلى في نتائج امتحانات "التوجيهي" التي شهدت توزيعا مجانيا للعلامات الكاملة (100٪) بما يلغي معايير التمايز بين الطلبة، ليأتي امتحان القبول الجامعي اليوم فارضا نفسه على مخرجات امتحان الثانوية العامة، وبلغة أجنبية لا يتقنها خريجو المدارس الحكومية.


المشكلة لا تقتصر على الانحياز الطبقي الذي يعكسه هذا القرار، بل يتجاوزه إلى غياب أية ضوابط ومعايير واضحة لضمان حيادية ونزاهة هذا الامتحان الهابط بباراشوت القرارات المستوردة.


إلغاء "التوجيهي" توجه فرض من صندوق النقد الدولي، وتبنته حكومة الرزاز التي تصر على حرمان أبناء الطبقتين الفقيرة والوسطى من فرص التنافس العادل مع أبناء الأثرياء، لتصبح التخصصات العلمية حكرا على طبقة دون غيرها، ويحكم على السواد الأعظم من الأجيال الناشئة بشكل مسبق أن يكون ملحقا أو تابعا لأبناء المتنفذين.


العدالة باتت تحتضر على طاولة القرارات الحكومية.. عوضا عن تطوير امتحان "التوجيهي"، في ظل الحفاظ على مبدأ التنافس العادل بين الطلبة، تعمد حكومة الرزاز إلى مصادرة أية فرصة قد يحظى بها طالب لا يمتلك سوى تحصيله العلمي، لصالح آخر ولد بملعقة من ذهب، ومعطف من حرير الواسطة والمحسوبية!