"الضبع" و"نظرية المضافة"!!
من حيث المبدأ، وزير الصحة سعد جابر، ورئيس الوزراء عمر الرزاز، وسائر طاقم الحكومة، ونظراؤهم من مختلف السلطات والأجهزة الرسمية.. جميعهم أولى بمغادرة مناصبهم وإعفائهم من مسؤولياتهم من الدكتور "عدنان اسحق"!!
عموما،،،
إلى كل أولئك الذين سخروا حد الاستهزاء والإساءة من مثال الضبع (وهو مثال مضحك وساخر وفي غير مكانه حقا) هلّا سألتم أنفسكم الأسئلة التالية:
هل طبيب بمستوى وخبرة الدكتور عدنان اسحق شخص ينقصه الذكاء والتمييز؟!
ما الذي حدث إذا؟!
ما الذي تبادر إلى ذهنه؟!
ما الذي خُيّل لرجل لا ينقصه الذكاء والفطنة حتى تصوّر تلك اللحظة أنّ مثاله مثال وجيه ومعبّر ومُنتح لآثاره ويصلح للاستخدام عبر شاشة إحدى وسائل الاتصال الجماهيري؟!
الموضوع في دلالاته أعمق كثيرا مما يتوهّم الغالبية!!
الجواب على الأسئلة أعلاه أنّ الدكتور إسحق قال ما قال لأنّ مثاله مثال منطقي جدا!!
منطقي بأي معنى؟!
منطقي وفق المنطق السائد في الخطاب الأردني منذ عشرات السنين، وبشكل مكثّف خلال العقدين الأخيرين!!
مثال الدكتور إسحق منطقي وفق ما أسميه "نظرية المضافة في الاتصال الجماهيري"!!
ما هي الفرضية الأساسية لهذه النظرية؟
"تكون الرسالة الاتصالية أنجع كلما كانت أقرب إلى سواليف المضافات، أو كلما كانت أصلح لأن تكون سولافة في مضافة"!!
تعال إلى خطاب الدولة من أعلى هرمها إلى أدناه..
تعال إلى الخطب والكلمات..
تعال إلى كلام الوزراء..
تعال إلى تصريحات المسؤوليين..
تعال إلى المؤتمرات الصحفية..
تعال إلى نشرات الأخبار..
تعال إلى محتوى المواقع الإلكترونية..
تعال إلى المؤتمرات والندوات والنشاطات والفعاليات..
تعال إلى كلام المعارضة..
تعال إلى كلام الأحزاب والنقابات والقوى السياسية..
تعال إلى كلام النخب والانتلجنسيا والمثقفين..
تعال إلى كلام "المؤثرين" و"النشطاء"..
تعال إلى كلام تلك الكذبة المسمّاة "مؤسسات المجتمع المدني"..
بل تعال حتى إلى المحاضرات الجامعية والحصص الصفية..
كلها سواليف!!
سواليف.. تليها سواليف.. تجرّ سواليف.. وتستدعي المزيد من السواليف.. فيتم الردّ عليها بسواليف.. وشو بدي أسولفلك تا أسولفلك!!
مرّة أخرى،إنّها "نظرية المضافة في الاتصال الجماهيري"؛ أنا لا أمزح ولا أسخر، أنا أتحدث هنا كلاما علميا أكاديميا منهجيا رصينا!!
خذ "مانشيتات" الصحف على سبيل المثال،حاول أن تتتبّعها وتحللها عبر فترة محددة من الزمن، ستجد أنّها سواليف، ليست فقط "خطاب" يخلو من معلومات وحقائق موضوعية، بل هي خطاب يأخذ شكل وصيغة ونَفَس سواليف المضافات!!
وإذا كنتّ من عشّاق المنهج التجريبي (الإمبريقي) يمكنك أن تصمم تجربة عملية لاختبار الفرضية: قم بصياغة ثلاث رسائل اتصالية حول نفس الحدث أو الموضوع، الأولى مصاغة بلغة صحفية موضوعية احترافية سليمة، والثانية مصاغة بلغة سياسية مؤدلجة، والثالثة مصاغة بلغة سواليف المضافات.. ثم قم باختبار هذه الرسائل على مجموعات تجريبية وأخرى ضابطة.. ثم ادرس الأثر..
لا تندهش إذا اكتشفت أنّ الرسالة المصاغة كـ "سولافة مضافات" هي الأكفأ وصولا والأشد أثرا!!
مرّة ثالثة، هي نظرية المضافة في الاتصال الجماهيري، والذي اختلف فقط هو السياق المكاني والزماني والأداة؛ فعوضا عن الاجتماع الفيزيقي في مضافة حقيقية خلال تعليلة مسائية، أصبحت وسائل الإعلام والسوشال ميديا بمثابة مضافات افتراضية تتخللها تعليلات إلكترونية لا نهائية وغير منقطعة على مدار الـ 24 ساعة!!
في خطاب الدولة الأردنية الرسمي ما هو أشد فداحة بكثير من سولافة "الضبع"، أو حتى سولافة "بنشف وبموت".. ولكن الناس بحكم "التطويع" و"التطبيع" فقدوا قدرتهم على التمييز!!
قد يكون التعبير قد خان الدكتور عدنان اسحق ولكن قطعا لم يخنه المضمون والمنطق، هو لم يخرج عن السائد، وعليه ليست "خطيئة" الدكتور اسحق وجود ضعف بالضرورة في كفايته العلمية وكفاءته الإدارية، بل خطيئة الرجل الحقيقية هي أنّه شخص لا يتقن سواليف المضافات مثلما يتقنها الآخرون!!
وأحيانا، لا يُشترط وفق نظرية المضافة أن تتقن فنّ اجتراح وإلقاء السواليف كما يتقنها الآخرون، يكفي أن تكون الجالس في صدر المضافة كي يتغاضى الجمهور قريبهم وبعيدهم عن كل ما يصدر عنك وأنت "مرتchي"!!
وهنا تأتي "خطيئة" الدكتور إسحق الثانية؛ هو قطعا ليس الجالس في صدر المضافة، وهو حتى ليس من "مسامير صحن" هذه المضافة الكبرى المسماة الدولة!!