الأحزاب في بلادنا وخبز الشعير 2/3




ما ذكرناه في المقال السابق عن استغلال لافتة العشائر والاعتذار بها للتشويش على الإصلاح السياسي ينطبق أيضاً على العمل الحزبي والممارسة الحزبية وتحميلهما اضافة لتبعات القضية الفلسطينية مسؤولية الاستعصاء و التردد في تطبيق الديمقراطية مع الحرص على بقاء الأحزاب موجودة شريطة ان تكون ضعيفة مطواعة غير مؤثرة.
لأن غياب الإرادة السياسية لقيام حياة نيابية حقة تمثل ارادة الشعب، ترتب عليها غياب الإرادة السياسية لحياة ديمقراطية عمادها حياة حزبية فاعلة لأنها شرط تكوين الدول الديمقراطية ودعامتها الرئيسة، وهذا ما توصلت اليه التجربة البشرية عبر قرون، واستقر عليه الفقه الدستوري .فكلما كان النظام اكثر ديمقراطية كانت الاحزاب قوية فاعلة، والعكس صحيح تماما .
فالعلاقة وثيقة بين النظم الانتخابية والنظام الحزبي والنظام السياسي، لأن الاحزاب السياسية هي التي تستطيع المحافظة على النهج الديمقراطي في الدولة، وهذه مسلمات يجب ان لا تغيب عن سياسي، فالأحزاب السياسية اما ان تكون حكومة الدولة، او حكومة الظل التي تراقب بدقة وتحاسب من خلال ممثليها في المجالس التشريعية
ومعلوم أن الانظمة الفردية والدكتاتورية لن تسمح بمعارضة حقيقية لأنها تفقدها الكثير مما تعتبرها ملكية خاصة لها سواء في القرار السياسي والسيادي او الاقتصادي أوالتربوي وغيره .
أما المعارضة (المستخدمة مرارا!!!) لتغطية الاستبداد السياسي وتزيينه، واعطائه المشروعية، ليس فقط بموافقته لسياساتها وتأييدها وتمرير قراراتها، انما حتى بممارساتها أحيانا للهامش المقرر والمتفاهم عليه لحجم معارضتها والتي لا تصل حد التأثير عليها.
ولا يغيب ان من واجبات الأحزاب السياسية و مهماتها الرئيسة :ــ
مقارعة الفساد والمفسدين وقوى الشد العكسي وتعريتها، والتي تقف أمام التحول الديمقراطي.
الوصول إلى مجلس النواب، وتشكيل السلطة التشريعية والتنفيذية من بعدها لأنها يفترض ان تمثل سلطة الشعب ، علماً أن قانون الأحزاب قاصر عن الوصول إلى هذه الحالة، والجدير بالذكر انه حتى الدول المشتهرة بقبليتها ثقافة وممارسة متوارثة أضعاف أضعاف الحالة الأردنية وفي مقدمتها دولة موريتانا اشترطت في الانتخابات النيابية على المترشحين ان يكونوا ضمن قوائم حزبية.
لذا فإن تكرار مشهد (العملية الانتخابية) وهو الاسم الاصح لما يجري وليس الانتخابات النيابية الحقيقية كل أربع سنوات بعنوان مجلس النواب، الذي ليس له من النيابة عن الشعب إلا الاسم والمظهر، تماماً كوجود أحزاب سياسية ليس لها من العمل الحزبي إلا الشكل، وهي إلى الجمعيات الخيرية والتعاونية أقرب، وحتى انها لا تعود بالنفع العام على جمهورها أو منتسبيها.
ان واقع العمل الحزبي اليوم يجعل الاحزاب ترهن قراراتها /إلاَّ القليل النادر/ لرغبات السلطة التنفيذية، التي صنعت بعضها، وشجعت وسهلت لمعظمها الظهور والتكاثر، ونقطت عليها مالياً حسب شروط مدروسة لا تصب في صالح نموها أو تأثيرها أو قيامها بدورها المنشود في بناء الدولة، انما تجعلها عبئا على من انشأها، فيعطيها المال مرة حسب الأعداد والانتشار، وأخرى حسب مشاركتها في الانتخابات النيابية.
وبغياب الاحزاب وغياب مجالس نيابية فاعلة. وبغياب قوانين انتخاب، وقوانين أحزاب تجمع ولا تفرق، ولاتربط بين التمثيل الشعبي والعمل الحزبي. وبغياب ارادة سياسية رسمية نافذة. تستطيع القول اننا نعيش عهد ما قبل الدولة حقاً بالرغم من وجود دستور وقوانين ومراسم انتخابات وما يقرب من خمسين حزباً، وجميع الهياكل الشبيهة بالدول الديمقراطية. وهذا لا ينفي وجود سلطة متحكمة طبعا.
ومن هنا عمدت الحكومات المتعاقبة وأجهزتها لبقاء هذه الحالة وتشويه العمل الحزبي وتعطيل الحياة الديمقراطية الحقة إلى ما يلي:-
1. صُنْع كيانات لتكون بديلاً عن الأحزاب التي يجب اضعافها والتخلص من تأثيرها من خلال نواب العشائر (نواب خدمات)، أو نواب الواجهات الجهوية في المخيمات الموالية للحكومة والمستجيبة لتوجيهاتها. وإطلاق يد رجال الاعمال وأصحاب رؤوس الأموال والمقاولين بحيث يستغل بعضهم حاجات الناس وضيق معيشتهم
2. اعتماد قوانين انتخابية لا تجعل العمل السياسي مهمة الأحزاب والنخب السياسية، بل ويشترط في تشريع هذه القوانين أن تضمن مخرجاتها سلفا تحجيم تمثيل الأحزاب البرامجية الجادة او الاحزاب غير المرغوب بها محليا وعالميا في البرلمانات والحكومات،
3. تصنيف الأحزاب إلى ضعيفة، وحزب واحد قوي إشارة إلى حزب جبهة العمل الإسلامي /الإخوان المسلمون، والقول أن التقدم خطوات باتجاه قانون انتخاب جديد أو تعديلات دستورية وقانونية سيكون في مصلحة (الحزب الواحد)، فلا بد من كسر هذا التفرد لتتم الاصلاحات المنشودة
وقد صدَّق البعض هذا الادعاء بأن المشكلة فقط هي بالحزب الأوحد،!!
فتم تشكيل الحزب الوطني الدستوري بسرعة فائقة (وسبحان مجمع القلوب!!)، من ثمانية أحزاب في 6/5/1997 قبيل استحقاق انتخابات المجلس النيابي الثالث عشر، ربما للوقوف امام (الحزب الأوحد) كما كان يتردد يومذاك من أجل كسر ثنائية الدولة والاخوان!! مع انها كذبة كبيرة، وتَشكّل المولود الكبير من الأحزاب التاليــــــة:ــ
حزب العهــد وامينه العام عبد الهادي المجالي
اليقظـــــة وامينه العام عبد الرؤوف الروابدة
التقدم والعدالة وامينه العام د زيد حمزة
الجماهيـــــــــر وامينه العام عبد الخالق شتات
الوطــــــــــــن وامينه العام عاكف الفايز
الوحدوي الديمقراطي وامينه العام انيس المعشر
التجمع الوطنـــــــــي مجحم الخريشا
الوحدة الشعبية (الوحدويون ) وامينه العام طلال الرمحي
وتولى الفريق عبد الهادي المجالي الوزير والعين ورئيس هيئة الاركان ومدير الامن العام امانة الحزب وبعد انفراط عقد الحزب الكبير ربما بعد مقاطعة الاخوان المسلمين للانتخابات النيابية عام 1997 وانتفاء جل دوافع الاتحاد، فاسس المجالي حزب التيار الوطني ، وقد انضم اليه خمسة وخمسون نائبا في البرلمان الخامس عشر .. ولكن الحقيقة المرة الصادمة دعت المجالي الفريق الأمين العام للعمل جاهدا على حل الحزب، احتجاجا على غياب الارادة السياسية للعمل الحزبي حسب قوله .
كما سعى قبل أربع سنوات تقريبا نائب رئيس وزراء ودبلوماسي وشخصية ليبرالية (د. مروان المعشر) مع مجموعة من رفاقه لتشكيل حزب التيار المدني، والمناداة بدولة مدنية ديمقراطية، حتى ظن البعض انه اسس من اجل تحجيم حزب جبهة العمل الإسلامي، وربما يكون لخدمة القادم من التطورات في المنطقة وبخاصة فيما يتعلق بمآلات القضية الفلسطينية، ولكن عندما لم يتمكن من صرفه عن مساره الذي من أجله تأسس الحزب يتم العمل على تفكيكه بوسائل خارجية واخرى من داخله، وإبعاد الشخصيات السياسية المؤسسة للحزب المستقلة في تفكيرها عنه وتشويهها ، ومن أبرزهم د. مروان المعشر نفسه وعشرات السياسيين من رفاقه الذين يسعون لدولة مدنية وديمقراطية التي يتفق معها الكثيرون دون توظيفه لمعاداة دين أو حزب او قيم وطنية راقية.
4. تصوير الحزبيين بأنهم معارضون للدولة وخصوم لها، بل وأعداء للنظام السياسي، ومرتبطون بالخارج، وخارجون على القانون، وبناء عليه تتم الاستعانة بحكايات مختلقة، و بنصوص دينية يتم لي أعناقها لتجريم العمل الحزبي. واتهام الأحزاب بأن لها أجندة خارجية ومرتبطة بجهات اجنبية، دون أدنى دليل بل فقط لتشويهها في نظر الشعب.
ومع تكرار الحديث الرسمي في المناسبات أننا نريد ثلاثة أو أربعة أحزاب قوية تتنافس، كيف لها أن تقوى بغياب الإرادة السياسية لإنجاح المسيرة الديمقراطية، والتركيز على تشويهها واستمرار الممارسات من جهة اخرى لملاحقة كوادرها او تجفيف منابعها الشبابية ونشر ثقافة الحرمان والخسارة المنتظرة لمن ينتسب الى الجاد منها . متى يبلغ البنيان يوما تمامه ؟ اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.
5. القول على سبيل التندر والسخرية وتنفير ر الناس من العمل الحزبي بأن أعداد الأحزاب كبير على قطر مثل الأردن (خمسون حزباً)؟؟!!! وما المانع من وجود هذا الرقم من الأحزاب وهل نحن بدعة فيه بين دول العالم ؟ وكم هو عدد الاحزاب المسجلة في بريطاني مثلا ؟ ثم من المسؤول عن هذه الكثرة لو سلمنا جدلا ان هذه مشكلة ؟ وهل الدول الديمقراطية في العالم خلاف ذلك، كم عدد الأحزاب التي دخلت التنافس الانتخابي الاخير وما قبله في تونس؟
6. انفصام ممنهج بين قانون الانتخاب (قانون الصوت الواحد المجزوء بكل تجلياته!!! ) و اشتراط تقدم العمل الحزبي في ظل قانون أحزاب (عرفي )لا يسمح بأحسن أحواله للأحزاب أن تشكل السلطة التنفيذية، كما ورد في تعريف الحزب السياسي في المادة الثالثة من قانون الاحزاب والذي طالب حزب الشراكة والانقاذ على لسان امينه العام د محمد الحوري بتعديلها لتصبح:ــ
( يعتبر حزبا كل تنظيم سياسي مؤلف من جماعة من الاردنيين يؤسس وفقا لأحكام الدستور وهذا القانون، بقصد ممارسة النشاط السياسي والوصول الى تداول السلطة بتشكيل الحكومات والمجالس المنتخبة او المشاركة فيها من خلال الانتخابات)
من هنا فيمكن أن نعذر المواطن المراقب للمشهد الحزبي ان يصل لحالة من الحيرة ويتساءل، إذاً ما سر الاصرار الرسمي على انشاء الاحزاب وتشجيع تكاثرها ودعم معظمها بالمال مع صعوبة الوضع الاقتصادي للدولة وفي الوقت نفسه يبقيها ضعيفة وديكورية في معظمها مقزمة لاتكبر ولا تتقدم ؟ ومن الذي يحرص على مقتنيات لا قيمة لها ؟؟ ما السر في ذلك ؟
وهل نعيد اختراع العجلة في تحديد موقع الأحزاب ودورها في الأنظمة الديمقراطية في العالم ونحن جزء منه وفي دولة نظامها نيابي ملكي وراثي تماما كبريطانيا.
مع ان قدوة الانظمة العربية وقبلتها السياسية الأولى الدول الغربية ذات الأنظمة الديمقراطية، ولكنهم لا يأخذون منها إلا استعمارهم واستعبادهم واذلالهم لنا. وسرقة مقدراتنا وتفكيك وحدتنا والوقيعة بين الانظمة وبين شعوبها.

وللحديث بقية....
 
* الكاتب نائب أمين عام حزب الشراكة والانقاذ..