لعبة تشكيل الحكومات




بعد رحيل حكومة الرزاز ثقيلة الظل على الشعب والاقتصاد ، من المفترض أن تبدأ المرجعيات والصالونات السياسية ومن خلفهم الطامعين والطامحين بحقائب وزارية ، بتسريب لبعض الأسماء والشخصيات المتوقع دخولها للتشكيلة الحكومية الجديدة ، وفي كثير من الأحيان تكون الأسماء مستهلكة وشرب عليها الزمن وأكل من منطلق أن المسؤول الأردني لا يفنى ولكنه يتحول من موقع لآخر، والتدقيق في ذات الأسماء يشير أنها محسوبة على مدن معينة دون أخرى ، أو أن لذات الأسماء تجارب خارقة في الفشل وعدم القدرة على الإنجاز وتقديم أي جديد للبلد .
معظم الطامعين بمناصب حكومية يبحثون عن الشهرة والبريستيج الحكومي أكثر من الإنجاز، ولا يهم المنصب بقدر ما يهم الحصول على موقع ما ضمن التشكيلة النهائية ، ولذلك نجد أن من يعاد تدويره لا يكون في الغالب لديه تجديد أو رؤى أو خطط تنموية للنهوض بواقع وزارته أو تجاوز الصعاب التي تواجه القطاع الذي يعمل ضمنه ، فهذه الحكومات شاركت من قبل في حكومات وفي مواقع مختلفة لصناعة القرار، ولم تظهر أي إنجاز ، والمفاجأة تكمن في إعادة تدويرها بعد سلسلة طويلة من الإخفاق والفشل .
الشواهد الحديثة تظهر أن الرزاز على سبيل المثال تكون نصف طاقمه الوزراي من أسماء عملت مع حكومة الملقي التي تم إسقاطها ، والنصف الآخر جاء بشخوص ليس لديهم أدنى مقومات الخبرة من الأصدقاء والمعارف والمحاسيب الذي تدربوا على أنقاض البلد ، وكانت المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في البلد شاهد حقيقي على الإرث الكبير الذي خلفه الرزاز وحكومته لمن سيأتي بعده ، اليوم تظهر التسريبات أن هناك عودة محتملة لنصف حكومة الرزاز التي سببت ما سببته على الاقتصاد والمجتمع ، ومع ذلك تم تناسي فشل الوزراء وعلق الأمر على شخص الرئيس نفسه ، وهذا إشارة واضحة أن الإنجاز والكفاءة ليست مؤشر ات حقيقية للحصول على موقع ما. كما أشير هنا أن نقل نفس المسؤول من موقع إلى آخر ، لا يعني بالضرورة أن ذهنيته سوف تتطور ، أو أن قدراته سوف تصبح خارقة ، أو أنه خلال مدة تعطله تحسنت لديه آلية اتخاذ القرار وانخفضت نسبة الفشل .
الجميع في الأردن ينسب الحكومة إلى شخص الرئيس فيقول حكومة الملقي أو النسور أو الرزاز ، دون أي إلتفات إلى أن هذه الحكومة تمثل الأردن بالنهاية ، ولكن حسب الموروث الثقافي فهي تمثل انعكاس لشخصية رئيس الوزراء المكلف كونه من قام بتتنسيب ذلك الشخص وتعينه في المنصب ، حتى وإن كنا ندرك تدخل العديد من الجهات السيادية في عملية التشكيل والتعيين ، إلا أنها تلقى بالكامل على كاهل الرئيس المكلف ، وفي خروج الرزاز لوحده مع بقاء نصف حكومته دليل على ذلك .
معظم الحكومات التي جاءت كانت تعمل وفق اجتهادات شخصية أو وفق نظام الفزعة ، فكثير من كتاب الفزعة الذين صنعهم الإعلام الحكومي يبرروا ذلك بأن حركة الزمان والمكان ديناميكية سريعة التغير ، وهذا يصعب من عملية التخطيط ، وفي هذا الكلام ظلم للتخطيط الاستراتيجي ومبالغة في الجهل ، وذلك لأن عملية التخطيط أصلاً لا تعمل بشكل جيد ولا تصلح للاستخدام إلا في الظروف الصعبة والغامضة سريعة التغير . معظم الحكومات ليس لديها ثوابت استراتيجية في الاقتصاد أو السياسة ، ولا ترتكز إلى منهجيات دقيقة في البحث والتقصي عن المعلومات قبل اتخاذ القرار ، فالمأسسة غير موجودة وكلنا يعرف مئات القرارات التي كانت تنفذ في حكومة وتم إلغائها في حكومة أخرى بعد مجيئها إلى الدوار الرابع.
لقد تعودنا في الأردن أن المنصب الحكومي يصبح بعد مرور 4 سنوات عبء على صاحبه ، ويتحول إلى نوع من البريستيج الاجتماعي والتمثيل الجهوي ليس أكثر ، وبحسب منحنى التعلم والخبرة فإن زيادة مدة الجلوس في الموقع الحكومي من المفترض أن تقلل من الأخطاء ، وتحسن من أليات اتخاذ القرار ، ولكن للأسف حتى هذه القاعدة تعمل في عكس اتجاه التيار والشواهد كثيرة في وطننا ، فالرتابة في الأداء ، والثقة الزائدة بالنفس ، وارتفاع مستوى الأنا ، وعدم الخوف من التغيير جميعها مظاهر نراها في المسوؤلين الذي جلسوا لسنوات في مواقعهم.
الملف الاقتصادي في جميع الحكومات مازال غائب أو مغيب ، فمعظم الأشخاص الذين حملوا حقائب اقتصادية في الحكومة مثل وزارة المالية أو الصناعة والتجارة أو السياحة ... الخ ، لم يلبث ما إن يتقلد مجلس إدارة بنك أو شركة تأمين أو مؤسسة تقنية أو منصب رفيع في البنك الدولي ، وإذا أصابه الملل من العمل في البلد فقد يقم بالتوسط لتعيينه سفيراُ في إحدى الدول الأوروبية الجميلة ... الخ ، وهنا خلل واضح في نموذج الإدارة ، وكيفية الاستفادة من هذه الخبرات في تعزيز التنمية والبناء على خبراتهم في دعم ألية اتخاذ القرار في الدولة ، وتشكيل نواة لبيوت الخبرة حتى وهم خارج سدة المسؤولية.
وزراء المال والاقتصاد لديهم أيضاً انطباع خاطئ في فهم المشكلة الاقتصادية في الأردن ، فالكل يعتقد أن عجز الموازنة أو البطالة أو المديونية هي جل المشاكل الاقتصادية التي تواجه البلد ، ويغيب عنهم أن المشكلة أصلاً في النموذج الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة في ظرف معين . ودائماً أستعين بشواهد من الحكومة الحالية كونها صاحبة السبق في ابتكار أساليب جديدة في تعميق الكساد الاقتصادي ، وتقليل الثقة به ، وعجزها بشكل كامل عن تغيير محتوى الفكر الاقتصادي أو الفلسفة الاقتصادية للدولة ، رغم أنها جاءت على أنقاض حكومة سقطت شعبياً بسبب ذات النهج ونمط التفكير.
أقول هنا ، أنه مدرب فريق كرة القدم عندما يرغب بالتغيير فعليه أن يأتي بوجوه جديدة إلى فريقه ، وبالتالي يجب أن يذهب إلى الشارع وإلى الحارات والأزقة للبحث عن لاعبين جدد ، ثم يقوم بعد ذلك بتأهيلهم وتطوير قدراتهم حتى يصبحوا قادرين للعب في الفريق بشكل احترافي ، أما تأتي بلاعبين قليلي الخبرة أو تم التخلص منهم من فرق أخرى لإرضاء جهات أو شخوص معينة ... هنا سنقف كثيراً عند مطالبتهم بأي إنجاز .
دولة الرئيس المنتظر ـ أقترح العودة إلى المدن والقرى والبادية البعيدة، وعدم الركون إلى القوائم الجاهزة ، فالولاية العامة ليست مجرد شعار وإنما هي ممارسة ومنهج وفكر في إدارة الاقتصاد والدولة ، الاجتماع بالعشائر والأهالي لإفراز قيادات شعبية وليست سياسية قادرة على مخاطبة الناس والكلام معهم، نريدها من الشعب القاطن في محافظات بعيدة عن عمان ، ولا نريد قيادات البزنس القادمة من عبدون ، نريد مسؤولين لديهم القدرة على وجع الاقتصاد ، يتلمسون هموم الناس عن قرب ، ويعرفون ويدركون احتياجاتهم ، لا نريد وزير عن منطقة جغرافية معينة وهو لا يعرف من المنطقة إلا اسمها . لذلك اعتقد أن دولة الرئيس المنتظر بحاجة إلى شهرين للوصول إلى توليفة مناسبة من الوزراء قادرة على تجاوز الصعاب ، والاستمرار بخدمة الوطن لأطول فترة ممكنة ........و إلا فأنني سوف أنشر ذات المقال في تشكيلة حكومية قادمة بعد 10 سنوات .