"النيابة" والتفكيك الممنهج وصناعة النوّاب!!



مهزلة أن تقوم NGOs بتدريب الراغبين بالترشّح للانتخابات النيابية على النيابة!!
إمعان في تفكيك وتمييع فكرة "السلطة التشريعية" و"النيابة" و"النائب" وحضورها في وجدان الناس و"المجال العام"، وذلك كامتداد للتعامل مع الشعب برمّته باعتباره طفلا أو فاقدا للأهلية، وإمعانا في التعمية على المصادرة الحاصلة للولاية العامة للشعب باعتباره المصدر الأول والأخير والشرعي لجميع السلطات وليس فقط السلطة التشريعية!!
هل النيابة "مهارة" حتى يتم التدريب عليها في ورشات عمل؟!
وهل النيابة "وصفة" جاهزة كتلك المكتوبة على أغلفة الشوربة سريعة التحضير؟!
و"التهواية" لمن هبّ ودب لخوض الانتخابات، وإطلاق آمالهم وتوقعاتهم بهذا الخصوص، واقناعهم بأنّهم مؤهلون ويمتلكون المقومات اللازمة لمجرد مشاركتهم على دورة تدريبية ما.. ألا يندرج ذلك كله تحت مبدأ "تخنيث الهرج" وتخنيث النيابة والعملية الانتخابية برمتها!!
هل يصبح أنصاف الأمّيين مؤهلين للنيابة لمجرد خضوعهم لدورة تدريبية وحصولهم على شهادة مشاركة من منظمات دولية وجهات مانحة؟!
الأميّة ليست فقط أميّة قراءة وكتابة وكراتين بمسمّى شهادات!!
النيابة تحتاج إلى شخصيات وطنية وازنة؛ وازنة فكرا من خلال وعيها السياسي وتحصيلها العلمي وخبرتها العملية، ووازنة اجتماعيا من خلال حضورها واشتباكها اليومي مع قضايا الوطن والمجتمع والأفراد.
هل دورة في الـ soft skills والهراء المنمّق على هيئة عروض "بوربوينت" و"موشن جرافيك" كفيلة بجعل "برارة" المجتمع وجها للبكسة؟!
ليس انتقاصا من أحد، ولكن الشخص الذي لا يعرف قدر نفسه، ويتنطح لمسؤولية أكبر منه تمس الناس في صميم وجودهم ومصالحهم وعيشهم وأمنهم وبقائهم واستمرارهم.. قد استحق بجدارة لقب "برارة"، وبالفصحى "رويبضة"!!
أي استغفال واستغباء تمارسه منظمات دولية وجهات مانحة بخبرائها ومستشاريها ومدربيها حين تغض الطرف عن كل العوائق والموبقات التي تقف في وجه السلطة التشريعية والحياة السياسية.. وتختزل الأمر في مجرد افتقار المرشحين لبعض المهارات الأدائية؟!
ابتداء من قوانين الانتخاب المصممة خصيصا لتفريغ العملية الانتخابية من مضمونها، وتعزيز الانقسامات وروح الفُرقة في المجتمع عموديا وأفقيا، مرورا بممارسات "الأجهزة" و"المرجعيات" على الأرض من أجل التلاعب بمسار الانتخابات - أي انتخابات - وتوجيهها والتحكّم في مخرجاتها.. جميعها موبقات أولى بالاشتباك وتسليط الضوء وتسخير الموارد والجهود من مهارات سعادته في الألقاء أو مهارات سعادتها في الوقوف وراء المنصة!!
والأنكى أنّ مثل هذه الدورات تركّز على النساء دون الرجال، في تأكيد مضمر على فكرة أنّ النساء "ضلع قاصر" و"ناقصات عقل"، لذا هنّ بحاجة لمثل هذا التدريب بشكل خاص حتى يصبحن مؤهلات لخوض تجربة ودور هنّ من حيث المبدأ لا يصلحن له!!
بكلمات أخرى، المنظمات والدول التي تتباكى على حقوق المرأة هي أكثر من يهين المرأة ويستخف بها!!
ألا يوجد في الأردن شخصيات وطنية وازنة من النساء يصلحن للنيابة وغير النيابة إلا أولئك اللواتي يحصلن على دورات تدريبية وورشات عمل تباركها هذه السفارة الأجنبية أو تلك؟!
ثم لماذا لا يخضع الوزراء والقضاة لمثل هذا التدريب والتأهيل؟!
النائب بالنسبة للسلطة التشريعية يوازي الوزير بالنسبة للسلطة التنفيذية، يوازي القاضي بالنسبة للسلطة القضائية!!
إذا كان للوزارة مواصفاتها وللقضاء مؤهلاته، فمن قال أن هذا الكلام لا يسري على النيابة أيضا؟!
بالعكس، إذا كان النائب هو الرقيب على أداء الوزير، والقاضي يحكم بموجب نص التشريع الذي يقرّه النائب.. هذا يقتضي أن يتمتع النائب بمواصفات ومؤهلات تفوق الوزير والقاضي مجتمعين!!
التذرّع هنا أنّ الناس أحرار في اختيار الشخص الذي يرونه مناسبا ليكون نائبا عنهم هو ضرب من السماجة!!
أولا النائب هو نائب وطن وليس نائبا عن مجموعة من الناس..
وثانيا اختيار الناس ليس فكرة نظرية مجرّدة ومطلقة، اختيار الناس محكوم بعشرات الاعتبارات والممارسات على أرض الواقع المصممة والموجهة لإقصاء الصالح وتقديم الطالح!!
التدريب الذي يخضع له المرشحون والمرشحات، على "عصريته" الظاهرية، هو أحد هذه الممارسات!!
طبعا نحن لم نصل أساسا لمناقشة مَن هم أولئك الخبراء والمدربين الذين يتولون هذا النوع من التدريب؟! ومَن جعل منهم واعتمدهم وكرّسهم كخبراء ومدربين؟! وما هي طبيعة المؤهلات والقدرات الاستثنائية التي يتمتعون بها وتخولهم لعب مثل هذا الدور الخطير: "صانعو النوّاب"!!