حماية الصحفيين في تقريره السنوي: الاعتداء الجسدي وحجز الحرية يتصدران الانتهاكات بحقّ الصحفيين

الإعلام.. غيابٌ قسري
* 68 انتهاكا، وقعت بحق 17 صحفيا وصحفية، منها 21 انتهاكا جسيما بنسبة 31%. * الاعتداء الجسدي يتصدر الانتهاكات الأكثر يليه كل من حجز الحرية، والاعتداء اللفظي. * الحق في السلامة الشخصية وعدم الخضوع للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المُهينة حل في المرتبة الأولى، بـ 24 انتهاكا، شكلت نسبتها 35.5% من مجموع الانتهاكات. * الإعلاميون يتجنبون التواجد في مناطق الأزمات ولا يغطون الاحتجاجات. * خرق متواصل لمدونة السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون التي اعتمدتها الأمم المتحدة.

أصدر مركز حماية وحرية الصحفيين تقريره السنوي لحالة الحريات الإعلامية في الأردن لعام 2019، والذي حمل عنوان "الإعلام.. غيابٌ قسري".
وكشف التقرير عن توثيق 11 حالة انتهاك تضمنت 68 انتهاكا، موزعة على 23 نوعا وشكلا من الانتهاكات، وقعت بحق 17 صحفيا وصحفية، ومؤسستين إعلاميتين، فيما بلغ عدد الانتهاكات الجسيمة 21 انتهاكا من أصل 68 وبنسبة بلغت 31% من مجموع الانتهاكات مسجلة ارتفاعا طفيفا عن السنة الماضية 2018 والتي بلغ عدد الانتهاكات الجسيمة فيها 20 انتهاكا.
وأظهر التقرير أن انتهاك "الاعتداء الجسدي" حل أولا بتكرار بلغ 8 مرات، وبنسبة 11.6% من مجموع الانتهاكات الكلي، تلاه كل من حجز الحرية، والاعتداء اللفظي بتكرار بلغ 7 مرات، وبنسبة 10.2% من مجموع الانتهاكات لكل منهما.
وبالنظر إلى الحقوق الإنسانية التي تعرضت للانتهاك، وجد التقرير أن الحق في السلامة الشخصية وعدم الخضوع للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المُهينة حل في المرتبة الأولى، حيث سُجل 24 انتهاكا، شكلت نسبتها 35.5% من مجموع الانتهاكات، فيما حل في المرتبة الثانية الحق في الحرية والأمان الشخصي بـ 16 انتهاكا وبنسبة 23.5%، تلاه الحق في حرية الرأي والتعبير والإعلام بـ 13 انتهاكا، وبنسبة 19% من مجموع الانتهاكات.
وبيّن التقرير الذي يُصدره مركز حماية وحرية الصحفيين أن 51.5% من الانتهاكات التي وثقت نتجت عن قيام الصحفيين والصحفيات بتغطية الاحتجاجات، وخاصة إضراب المعلمين الذي استمر لما يُقارب الشهر واعتبر أطول إضراب في تاريخ الدولة الأردنية.
وحسب ما وثقه التقرير فإن مسؤولية الانتهاكات أسندت حسب ادعاءات الصحفيين والصحفيات لأربعة جهات، منها 3 جهات تابعة للدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية، والرابعة هي نقابة مهنية؛ إلا أن جميعها تتحمل مسؤوليتها الدولة بموجب القانون الدولي بضمان سلامة الصحفيين، كما أن جميع الصحفيين أو المؤسسات الإعلامية التي تعرضت للانتهاكات لم يجرِ إنصافهم وجبر الضرر عنهم.
توصل الباحثون في تقريرهم لقناعات ومؤشرات مفادها أن الإعلاميين والإعلاميات بسبب الضغوط التي يتعرضون لها، بدأوا يتجنبون تغطية الاحتجاجات، حتى لا يتعرضوا لانتهاكات تبدأ من مضايقتهم، وتمتد للاعتداء عليهم، وتنتهي باحتجازهم وتوقيفهم.
واعتبر التقرير أن إحجام الصحفيين والصحفيات عن التغطية في مناطق التوتر بسبب تزايد القيود والمشكلات التي تعرض لها زملاء وزميلات لهم سابقا أدت إلى تراجع نسبي في عدد الانتهاكات لهذا العام.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تحتل مكانة بارزة في تغطية الاحتجاجات، وبدأ ناشطون وناشطات في استخدام تقنية البث المباشر لرصد وتوثيق التظاهرات والاعتصامات المجتمعية، وهو ما سبب كذلك في توجيه الاتهامات للسلطة التنفيذية بالطلب من الشركات المزودة لخدمات الإنترنت بخفض السرعات ومنع خاصية البث المباشر، مستشهدا بتقرير شبكة المصدر المفتوح الذي خلص إلى أن سبب العُطل الذي شهدته خدمة مشاهدة البث المُباشر على شبكة الإنترنت في الأردن لم يكن الضغط على البنية التحتية، وكذلك لم يكن خللًا من موقع فيسبوك، بل كان «تدخلًا فنيًا مُؤقتًا في حُزم البيانات التي تطلب خدمة البث المُباشر على فيسبوك»، أي أن طرفًا ثالثًا قد تدخل.
تقرير المركز توصل أيضا لفرضية مفادها أنه كلما زادت التغطيات الميدانية للصحفيين في مناطق التوتر والأزمات، كلما ارتفعت حالات الانتهاك مُدللا ومستشهدا بالأرقام؛ فمنذ بداية ما سُمي بالربيع العربي في عام 2010 وما تبعها من سنوات وصلت أعداد الانتهاكات لذروتها في عام 2014 حيث سُجل 153 انتهاكا، ثم تراجعت بعد إخفاق الربيع العربي، وتراجع الاحتجاجات في الأردن.
وقال التقرير إن تراجع الانتهاكات عامي 2018، 2019 رغم إيجابيته، فإنه يؤشر بالوقت ذاته إلى تنامي غياب الإعلام عن التواجد في مناطق الاحتجاجات، وتركها للسوشيل ميديا أو لوسائل الإعلام غير المحلية.
ولاحظ أيضا أن غياب وسائل الإعلام المحلية عن التغطية اللاحقة لقضايا الاحتجاجات تزامن مع تعليمات في المؤسسات الإعلامية الوطنية -غير مكتوبة- بعدم تسليط الضوء كثيرا على هذه القضايا، وبالتالي لا يُكلف الصحفيون والصحفيات بالتواجد والتغطية.
وقارن التقرير فرضيته مع بعض تقارير رصد مهنية الإعلام وأدائه في التغطيات الإعلامية للقضايا التي تشكل رأياً عاماً في المجتمع الأردني، والتي نفذها مركز حماية وحرية الصحفيين ضمن مشروع "رصد مهنية وانتهاكات حقوق الإنسان في الإعلام الأردني"، والتي أظهرت وجود غياب ملحوظ في التغطية الإعلامية الميدانية للحراكات والاعتصامات الشعبية في وسائل الإعلام، خاصة في وسائل الإعلام الحكومي أو العمومي، كما أظهرت أن التغطيات الصحفية للاحتجاجات والاعتصامات سواء الميدانية إن وجدت أو غير الميدانية، غالبيتها مكررة ومنقولة عن خبر ومصدر صحفي واحد خاصة في مواقع الإعلام الإلكتروني، إضافة إلى وجود غياب وتجاوز مهني في جوانب التوازن والحيادية في بعض التغطيات الصحفية للاحتجاجات والاعتصامات.
وأوضح التقرير أن ظاهرة الرقابة الذاتية وتزايدها بين الإعلاميين والإعلاميات لا تبدو حدثا مُستغربا، فطوال سنوات سابقة منذ طرحها في استطلاعات الرأي التي يٌنفذها مركز حماية وحرية الصحفيين لم تتراجع عن حدود 90%، وبالتالي كان لافتا في عام 2019 استمرار تجاهل الصحفيين تغطية العديد من قضايا الرأي العام، وهو ما استمر بتزايد لافت عام 2020.
وخلص التقرير إلى أن استمرار الانتهاكات الواقعة على الصحفيين والصحفيات خلال تغطيتهم للمظاهرات والاعتصامات يؤشر إلى خلل في الالتزام بمدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1979، والتي تُركز على: 1.احترام الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، أثناء قيامهم بواجباتهم، للكرامة الإنسانية وحمايتها، والحفاظ على حقوق الإنسان لكل الأشخاص وتوطيدها. 2.عدم جواز استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفى الحدود اللازمة لأداء الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين لواجبهم. 3.أن لا يقوم أحد الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين بأي عمل من أعمال التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو أن يحرض عليه أو أن يتغاضى عنه، كما لا يجوز لأي من الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين أن يتذرع بأوامر عليا أو بظروف استثنائية كحالة الحرب، أو التهديد بالحرب، أو إحاقة الخطر بالأمن القومي، أو تقلقل الاستقرار السياسي الداخلي، أو أية حالة أخرى من حالات الطوارئ العامة، لتبرير التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وأكد التقرير أن مركز حماية وحرية الصحفيين قد بذل جهدا على المستوى الوطني لإرساء قواعد للتغطية الإعلامية المستقلة في مناطق التوتر والأزمات، حيث نظم المركز فيما سبق اجتماعات مع قيادات أمنية ومسؤولين حكوميين وعدد من الإعلاميين والإعلاميات لبحث العلاقة بين الإعلام والأمن (موظفي إنفاذ القوانين) في مناطق الأزمات والتوتر بهدف للوصول إلى توافقات تضمن تغطية إعلامية مستقلة للأحداث وتراعي الاعتبارات الأمنية، وتنظم العلاقة بين الأمن والإعلام في مناطق الأزمات والتوتر، مما يُمكّن الإعلاميين والإعلاميات من أداء واجبهم في نقل الأحداث وحقهم بالحصول على المعلومات دون عرقلة عمل الأجهزة الأمنية.
ونوه التقرير إلى أنه وبالرغم من تكرار التذكير بضرورة احترام مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، إضافة للحديث عن مدونة سلوك معتمدة عند جهاز الأمن العام، فإن الإجراءات المتخذة في الميدان وعلى أرض الواقع لا تراعي الالتزامات والاعتبارات المطلوبة لتمكين الإعلام من ممارسة عمله دون قيود وضغوط، وفي اتجاه آخر، فإن بعض الإعلاميين لا يلتزمون بقواعد العمل الإعلامي المحترف، ومدونات السلوك؛ فهم لا يرتدون بشكل دائم ما يُشير إلى هويتهم، ولا يتجنبون الانخراط بين المُحتجين، ولا يقفون في أماكن تُجنبهم الاحتكاك المباشر مع رجال الأمن والدرك، وبعضهم يُشارك المتظاهرين في هتافاتهم ومواقفهم ولا يلتزم بالحياد. وتتبع التقرير ما يُصدر عن المؤسسات الحقوقية الدولية فيما يخص الحريات العامة في الأردن، ولا سيما حرية الرأي والتعبير والإعلام، وضمّن تقارير وبيانات تلك المنظمات في فصل حول التزامات الأردن الدولية بشأن حرية الرأي والتعبير والإعلام، ومسألة الإفلات من العقاب 2019.
وطالب التقرير في توصياته الحكومة ومجلس الأمة بمراجعة التشريعات والقوانين التي ثبت استخدامها كأداة لتقييد حرية الإعلام وأبرزها قوانين الجرائم الإلكترونية، العقوبات، منع الإرهاب، ضمان حق الحصول على المعلومات، قانون محكمة أمن الدولة وقانون المطبوعات والنشر.
ودعا الحكومة إلى مناقشة اعتماد آليات شفافة وعادلة لدعم وسائل الإعلام وتعزيز الإعلام العمومي والمجتمعي، إلى جانب تعزيز الحق في الوصول للمعلومات، إضافة إلى التوقف عن الحد من وصول الناس للإنترنت بشكل فعال للتعبير عن آرائهم.
وبشأن الانتهاكات بحق الصحفيين/ ات طالب التقرير إلى المباشرة في إعداد بروتوكول لحماية حق الصحفيين/ ات في التغطية المستقلة في مناطق الأزمات، والقيام بإجراءات فاعلة تمنع وقوع الانتهاكات بحق الصحفيين من خلال مساءلة المنتهكين ومنع الإفلات من العقاب، داعياً إلى إلغاء مادة إلزامية العضوية في قانون نقابة الصحفيين التي من شأنها التضييق على حرية ممارسة العمل الإعلامي.
وحث التقرير السلطة القضائية إلى عدم إصدار قرارات وتعاميم منع النشر.
من جانب آخر، نوه مركز حماية وحرية الصحفيين إلى أن التأخر في إصدار التقرير السنوي لعام 2019 عن موعده قرابة أربعة شهور جاء نتيجة لتداعيات جائحة كورونا، التي فرضت في بدايتها حظرا شاملا، وتعطلا مؤقتا عن العمل، والشروع بالعمل عن بعد، كما استجاب المركز لأولويات المرحلة التي مرت بها البلاد عامة، والإعلام خاصة إذ أصدر المركز في نهاية شهر حزيران الماضي تقرير "تحت الحظر.. حرية التعبير والإعلام في الأردن في ظل جائحة كورونا"، والذي حاول تقييم سياسات وإجراءات الحكومة بشأن احترام التزاماتها القانونية المتعلقة بحرية التعبير والإعلام، وطريقة تعاملها مع الصحفيين والصحفيات والمؤسسات الإعلامية، والتحديات الجديدة التي نشأت وأثرت على حرية الإعلام في ظل جائحة كورونا.
وقال مركز حماية وحرية الصحفيين إنه سيصدر خلال الأسابيع القادمة استطلاعا لرأي الصحفيين والصحفيات كما جرت العادة، يُظهر مواقفهم من قضايا الحريات الإعلامية لعام 2019.
للاطلاع على التقرير كاملا: https://bit.ly/2G5IkSS