من سيكتب التاريخ ...؟!!
مشهد حقيقي مضحك و غريب رأيته بعيني قبل فترة و انا أركب سيارتي في احد شوارع عمان الحبيبة جعلني أضحك و أتفكر في نفس الوقت ببعده الفلسفي لأسأل نفسي اسألةً كثيرة عمن يصنع التاريخ ، أو هل يمكن ان يصنع التاريخ صدفة !؟
كنت أسير في شارع الملك عبدالله الثاني (المدينة الطبية سابقاً)، حيث كان يقع موقع احد المطاعم السياحية المبني بطريقة اثرية و هو مطعم "بيت عمر"، نسبة الى المطرب الاردني المبدع عمر العبدللات، و قد اقفل المطعم ابوابه منذ حوالي العام لتحويله الى منشأة اقتصادية اخرى ...
اللافت في الامر أن المطعم لا يعمل حاليا، و مبناه المرفق بالصور ادناه مهجور منذ فترة، و قد بدأت بعض اعمال الهدم فيه منذ فترة ايضاً، و لكنها توقفت بسبب جائحة كورونا فغدا فصار بناءً مهجوراً وكأنه آثار تاريخية !!!!
المشهد .... أن مجموعة من الاجانب و يبدو انهم من بعض المقيمين في المملكة ... كانوا متواجدين امام بقايا البناء يصورونه و يلتقطون لبعضهم البعض صوراً تذكارية امامه وكأنه من آثار البتراء و جرش التاريخية !!!!!...
شطح خيالي و صرت افكر انه لو قدر لهذا البناء ان يبقى لأي سبب على ما هو عليه لسنين و سنين بل و لعقود قادمة، ثم كتب بعض (الكتبة) دراسات عنه بعد عشرات السنين (عن جهل او عن قصد) بأنه مبنىً اثري شيد في القرن العشرين و كان يدعى بيت عمر حيث كان يقطنه احد فناني القرن العشرين و القرن والوحد و العشرين مثلاً .. فكروا معي في هذا السيناريو الذي لو ترافق مع بعدٍ اعلامي مثلاً و غيره من الادوات الترويجية فقد يغدوا معلماً تاريخياً في يومٍ من الايام بعد عشرات و مئات السنين و تحاك حوله القصص و الوقائع..؟؟!!!
السؤال الذي كثيراً ما اسأله لنفسي، و دار في خلدي حين رأيت هذا المشهد، قد يكون بعيداً عن هذا المبنى او عن فكرة الآثار ولكنه جزء من فلسفة التاريخ و هو...
من سيكتب تاريخنا اليوم و غداً ؟!!!!!
من سيكتب عن سنوات (الربيع) العربي مثلاًً.. و عن برنارد ليفي عرابها !!... وماذا سيدرس احفادنا و اولادهم عن هذه الحقبة التي نعيشها الآن بعد خمسين عاماً... من سيقيم ما جرى ؟!... من سيسمي حمام الدماء في بلادنا خلال السنين العشر الماضية مؤامرة... ومن سينعتها بالثورات...!!
ومن سيفرق بين الخونة و الضحايا ... و على أية مراجع سوف تستند شهادات طلبة الجامعات مثلا و الذين سيصبح بعض منهم اساتذة ليدرسوا ما فهموه او ورثوه من أفكار لأجيال قادمة !!! من سيلحن اناشيد العرب الوطنية بعد حين و من سيكتب قصائد وطنية ...
باختصار من يملك الحقيقة و من سيقيم المرحلة ..
ما بين آثار بيت عمر ... و آثار تاريخ أمتنا الحديث قليل من الفارق على ارض الواقع ... و كثيرٌ من التشابه على ارض الحقيقة أيضاً !!!!!
من سيكتب تاريخنا ... و كيف سيقرؤه اللاحقون !!
رامي الخياط
rami.khayyat@yahoo.com