بين الكورونا وصفقة القرن.. ثلاث ملفات تفرض تحدياتها على التشكيل الوزاري

تامر خرمه_ في الوقت الذي تستعد فيه القوائم والائتلافات لخوض معركة الانتخابات النيابية المقبلة، يعمل رئيس الحكومة المكلف، بشر الخصاونة، على تشكيل فريقه الوزاري، الذي سيكون عليه تولي مهام ثلاثة ملفات حاسمة، بكل تعقيداتها وحساسيتها، وتفاصيلها التي تفرض تحدياتها على دوائر صنع القرار.

ملف الكورونا، بما يتضمنه من أولويات تتعلق بالمنظومتين الصحية والتعليمية، إلى جانب الملف الاقتصادي، واستحقاقات السياسة الخارجية.. أولويات تفرض ذاتها بحسم على الأجندة الحكومية، كما تستوجب اختيار الفريق الوزاري بعناية وحذر، بعيدا عن المحاباة، والعلاقات الشخصية، ودائرة الأسماء التي تهبط من فضاء رغبات حكومات الظل..

قبل البدء بتسمية أعضاء الفريق الوزاري الجديد، ينبغي التفكير بالاستراتيجية التي ستتبناها الحكومة، ضمن رؤية شمولية، وبرنامج عمل واضح المعالم، للتعامل مع هذه الملفات الثلاث، ومن ثم يفترض أن ينعكس هذا في اختيار أعضاء الفريق، وإلا فإن التغيير الحكومي بحد ذاته سيكون مجرد مضيعة للوقت والجهد وأموال الخزينة!

بداية، على الرئيس أن يعرف كيف عليه التعامل مع جائحة كورونا، التي فرضت نفسها على العالم بأسره، بعيدا عن مقاربة القرارات الارتجالية، والتخبط اللاأدري، التي سنتها الحكومة الراحلة.. من أين نبدأ.. سؤال سيكون من المفيد أن تطرحه الحكومة على نفسها، قبل أن تشرع بأولى خطواتها!

المنظومة الصحية بكاملها تحتاج إلى تطوير وتحديث، خاصة فيما يتعلق بالقطاع الصحي العام وضرورة العمل على شمول كافة المواطنين بمظلة التأمين الصحي الشامل، إلى جانب إنشاء مستشفيات ميدانية مؤهلة تختص بعلاج الكورونا، بما يحول دون إرهاق مستشفيات البشير، في حال استمرار تزايد أعداد الإصابات.

الصحة والتعليم

الكورونا لن تكون آخر وباء يواجه العالم.. لا بد من إدراك هذه الحقيقة.. ما يعني أن التقدم في جانب الرعاية الصحية أولوية حتمية، لا تحتمل التأجيل أو الإهمال.. كما أن تحقيق هذا لا يحتاج إلى معجزة، أو إمكانيات مالية خارقة، ولنا في الدول النامية، مثل كوبا، خير مثال.. القضية قضية ترتيب أولويات، ليس أكثر!

وإلى جانب كشف مواطن الضعف والخلل في المنظومة الصحية "بفضل" كورونا، سلطت هذه الجائحة الضوء على واقع قطاع التعليم.. اكتظاظ المدارس الحكومية، الذي دفع وزارة التربية والتعليم إلى تجريب مقاربة التعليم عن بعد، دون وجود إمكانية واقعية للمضي بهذه المقاربة، معضلة قديمة للغاية.. كل ما فعله كوفيد_19 أنه أعادها إلى الأذهان، فلا يمكن الحديث عن نهضة تعليمية بصفوف مدرسية يصل عدد طلبتها إلى 60 طالب أو طالبة!

تطوير وتحديث المنظومة الصحية، إلى جانب النهوض بقطاع التعليم، سواء فيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية أو العلاقة مع نقابة المعلمين، هي أول التحديات التي سيكون على الخصاونة مواجهتها مع فريقه المختار، فيما يتعلق بالاستحقاقات التي أيقظتها الكورونا.

خطة إنقاذ

أما فيما يتعلق بالملف الاقتصادي، فدعنا نتحدث بلغة الأرقام: المديونية بلغت 44.3 مليار دولار، ويتوقع البنك الدولي أن تصل نسبة الدين نهاية العام إلى 111.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي.. عجز الموازنة بلغ نحو 3 مليارات دولار، ومن المتوقع أن تصل نسبة الانكماش الاقتصادي إلى 3.5٪.. أضف إلى هذا أرقام دائرة الإحصاءات العامة، التي تفيد بأن نحو ربع الأردنيين ابتلعتهم البطالة، فيما يحاصر نحو مليون مواطن ضمن دائرة الفقر المدقع!

أمام هذه الأرقام، يستوجب المنطق أن ينأى الخصاونة بنفسه وبفريقه الاقتصادي عن كافة السياسات المملة المستهلكة، التي أوصلتنا إلى هذا القاع.. ما نحتاجه بشكل حاسم هو خطة إنقاذ اقتصادي وطني، تنهض بالإنتاج المحلي، وتعيد الاعتبار إلى القطاع الزراعي، بالإضافة إلى دعم وتشجيع الصناعات الدوائية، وكافة الصناعات المحلية، ضمن برنامج يستند إلى إعادة بعث القطاع العام، ودعم المؤسسات الإنتاجية الوطنية، عوضا عن محاباة المستثمر الأجنبي.

القضية الفلسطينية

وأخيرا، لم يعد من المجدي توقع أي مستقبل للأردن، بل وللمنطقة بأسرها، بمعزل عن الاستحقاقات التي تفرضها القضية الفلسطينية، وحتمية مواجهة المشروع الصهيوني، الذي مازال باقيا ويتمدد، سواء عبر صفقة القرن، أو خطة الضم، أو غيرهما من المشاريع التي تحاك في غرف غسيل نتنياهو بالبيت الأبيض!

إعادة النظر في التحالفات الاستراتيجية القديمة، لم تعد مطلبا خياليا، أو أحلاما ثورية تمتد جذورها إلى الحقبة الجيفارية، بل باتت ضرورة حتمية يفرضها واقع محاولات عزل الأردن عن دائرة الفعل والتأثير الإقليمي، تمهيدا لفرض معطيات مشروع الوطن البديل.. الحكاية لم تعد محض فزاعة أو شعار، بل بات هذا المشروع أقرب إلينا من حبل الوتين!

في سياق الارتماء الإقليمي التطبيعي في أحضان الاحتلال ومصالحه، علينا أن نتساءل: أين نحن، وماذا نريد؟ بمعنى، حتى لو كان هدفنا يقتصر على البقاء المحض، فإن تحقيق هذا يفرض حتما مواجهة المشاريع الصهيونية، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، عبر سياسات الترانسفير، التي تهدد الأردن وجوديا..

ملف السياسة الخارجية بلغ مرحلة من التعقيد تفرض على صناع القرار اتخاذ مواقف حاسمة، بل والانقلاب على أي تحالف لا تكون فيه ضمانات حقيقية لمستقبل الأردن ومصالحه، التي تتناقض جوهريا مع المشروع الصهيوني التوسعي.

بين الكورونا وصفقة القرن.. هذه هي استحقاقات المرحلة التي تفرض أولوياتها على حكومة الخصاونة.. فهل سيتم تشكيلها استنادا إلى هذه المعطيات، وإعلان خارطة طريق واضحة البوصلة، دون الغرق في الديماغوجيا الإنشائية، أم أن قدرنا هو الاستمرار في سياسة وضع حصان الرغبات الشخصية أمام عربة النجاة بالوطن؟!