الزرقاء مدينة تتنفس ثاني أكسيد الكربون!



لم يشفع قرب الزرقاء من العاصمة عمان إِلَّا مزيدًا من البعد، فالقرب الجغرافي أنتج تباعدًا تنمويًا، وتجافيًا بين المدينتين الكبيرتين الجارتين، عاصمة السياسة والقرار استأثرت بكل "فضائل" الثروة والعمل والتخطيط والعمران والنشاط والترفيه، وتركت للجارة الصغرى كل "رذائل" الكثافة السكانية، والفقر، وسوء التخطيط والتنظيم، وتعثر الإدارة التي أفرزت أشكال متنوعة من الملوثات المادية و"النفسية" وأقسى البشاعات الطبيعية و"البشرية".

أُهمِلت المدينة، كأنها ضاحية عشوائية نائية "مُعلقة" بالعاصمة، فلا هي بالمستقلة ولا هي بالتابعة، فقُطِّعت أوصال المدينة منذ سنين طويلة، قبل أن يَبتُرَ "إرهابي" سَاعِديّ الفتى، كانوا قد لوثّوا نهرها الصغير منذ عقود غابرة، وأحالوه إلى مجرى للسموم، ثم لَوِثت المدينة بأصناف متعددة من الفساد كان في مقدمتها الفساد الإداري الذي أحال مؤسساتها إلى مرتع للواسطة والمحسوبية، وأتبعوها بالفساد الانتخابي فأنتجت المدنية نوابا كانوا نوائب عليها فقد اعتبروها "ساحة معركة" جاهزة للغارات والمبارزات الانتخابية؛ فاستعطفوا بُسَطائها - وكثير من سكانها من البسطاء- بكل المقدسات القومية والوطنية والدينية، وقاموا بــ"أرذل" المُهمات في التوسط "للمجرمين".

مدينة شهيقها ثاني أكاسيد الكربون مع كل "طلعة شمس"، وفيها أطول سوق "للحرامية"، وربما أكبر "مقبرة" في البلاد، و"أفضل" أسواق تصدح بمكبرات الصوت "تُدَلِّلُ" على بضائع ومأكولات منتهية الصلاحية. فكيف يكون زفيرها!، مدينة قاطنوها يفرون منها، ومسؤولوها أول من يهجرها إلى عمان، مدينة بمليون ساكن، لا تجد من يُعرف عن نفسه "بالزرقاوي" غير الذي تعرفون.

الزرقاء اليوم مدينة كئيبة، رثة، مقهورة، "بلا أي منصب وزاري"، في حين أنها كانت يومًا ما مدينة بامتياز خاصة في بيئتِها الاجتماعية وتنوعها وانفتاحها وكذلك صناعتها، وبدلًا من تطويرها وتخضيرها، جرى "تصحيرها" وجعلها "مدينة بلا قلب"، وأحيانًا بلا عقل.

فالزرقاء مثال موجع على مُدن الإهمال، وشوارع "التعاسة" المغمورة بمياه الصرف الصحي و"العشوائية" التي لا بد أن تُخرج كل تلك "الوحشيّة".