لعنة الصلف في لعبة النائب الدائم وسر المقعد "اللقطة"!
محرر الشؤون المحلية - من بديهيات التعليم الاعتماد على الملاحظة والتجربة، والاستفادة من الخطأ، تجنبا لتكراره.. لكن المشهد السياسي الأردني، يبدو أنه تجاوز هذه البديهات إلى عالم موازي، لا مكان فيه للمنطق، ولا قيمة تذكر للتجربة.. كما أن لعوالم السياسة في هذا البلد أسرارها ومكنونات كنوزها التي تستقطب صائدي الجوائز باستمرار!
في هذا العالم الغرائبي، الذي تعاني فيه التجربة انعدام الوزن المطلق، يعاد تدوير اقتراف الأخطاء، واستنساخ التجارب الفاشلة، عند كل محطة انتخابية لإفراز برلمان يفترض أن يمثل الشعب، فترى عباقرة الفشل يعبرون من دورة انتخابية إلى أخرى، لتتكرر ذات الوجوه، دون أي اعتبار لتكاثر الإخفاق في تجاربهم المتعددة.. فما هو السر الذي تخفيه مقاعد البرلمان الجاذبة دوما لتلك الوجوه المتكررة؟!
صلف ليس كبعده صلف، يدفع نوابا فشلوا في ممارسة أي دور تشريعي أو رقابي لائق، وعجزوا عن التصدي لأي قرار حكومي غير منصف، ولم تمكنهم قدراتهم المتواضعة للغاية من درء أية مفسدة، حتى أصبح البرلمان "بفضلهم" دون وزن أو لون أو رائحة.. ورغم هذا يعيدون طرح أنفسهم على قوائم الترشيح؟!
ترى، هل بات البرلمان ساحة استثمار يستطيع فيها المتعهدون الحصول على مزيد من العطاءات الحكومية، وتمكن المحامون من الحصول على المزيد من العقود مع شركات القطاع العام.. كما يقولون؟!
هل بات المجلس النيابي هو جسر السياسيين الذين يطمحون بإعادة تدويرهم في المناصب، وممارسة الانتقال والتنقل السلس على حبال السيرك السياسي، أو أنه بات قلعة المستثمرين لضمان طول بقاء استثماراتهم وامتيازاتهم، وما يمكن أن يحصلوا عليه من تسهيلات وإعفاءات، في ظل حصانة رؤوس أموالهم وأرصدتهم ومشاريعهم؟!
كيف يمكن لشخص أسهم في إسقاط مجلسه إلى حضيض الفشل، بدليل كافة استطلاعات الرأي، ويدرك تماما إفلاسه وعجزه المطلق عن تقديم أي جديد، أن يصر على لعب هذا الدور الذي لا يناسبه على الإطلاق، ويرتدي قناع تمثيل الشعب، الذي يدرك زيفه تماما؟!
هل للمنصب تحت القبة لذته وإغواءه اللذين لا نعلم شيء عنهما.. هل يستحق كل هذا الرياء الذي سيسأل عنه المرشح العابر للمجالس أمام الله والناس؟! ما هو السر؟! وما هي طبيعة المكاسب التي تستحق كل هذا الصلف؟!
حتى وإن كان النائب الدائم فاقد تماما للإدراك والذاكرة، ولا يعلم مقدار ما أنجزه من فشل؟ ألا يمكنه القراءة على الأقل لإلقاء نظرة، ولو عابرة، على استطلاعات الرأي وردود الأفعال على ما سبق وأن اقترفت يداه مرات عديدة؟!
غريب أمر هذا الصلف والعنت والتمسك بالمقعد النيابي إلى الأبد! ما هي الحبكة التي تقوم عليها أركان هذه اللعبة السمجة الممجوجة يا ترى؟!
ما معنى أن تقترف الفشل تلو الآخر، وتمعن في إصرارك على أنك قادر على لعب دور المشرع؟! ما معنى أن يترشح من وصل تجريبه إلى أقصى درجات الملل، ويعيد طرح ذاته دون حتى برنامج أو مشروع؟!
هذا الهوس الغريب بالعودة الدائمة إلى مجلس النواب، لمن لا قدرة لهم على تولي هذه المسؤولية، يثير العديد من علامات الاستفهام حول ماهية الغاية والدافع المحرك لهذه الحلقة المفرغة؟! ما الذي يخفيه المنصب لإثارة شهية النواب السابقين القادمين على هذا النحو؟!
لا يوجد من بين أولئك المجربين مرارا وتكرارا من كان لديه برنامج بدأ بمحاولة تحقيقه بالفعل ولم يتمه، أو صاحب مشروع يرغب بالعودة للبرلمان بهدف تطويره ووضع اللمسات الأخيرة عليه، أو حامل شعار جدي يحاول العودة لترسيخ ما ترجمه على أرض الواقع.. فلماذا هذا الإصرار على البقاء تحت قبة البرلمان؟!
الوضع بات أشبه بعضوية دائمة لأحد النوادي، فترى الوجوه التي حفظها الناس، لا تكاد تغادر مجلسا حتى تلتحق بالذي يليه، وبيدها سلة الأصوات التي لا تنضب، ومفاتيح الدوائر الانتخابية!!
وبتجرد من أي برنامج أو مشروع، يصر حيتان البرلمان على الوصول الدائم إلى ذات المنصب، الذي لا يلبون أي شيء من استحقاقاته، فلماذا؟!
ما هو السر الدفين الذي يدفع المرشح الدائم إلى الإنفاق المستمر لعشرات بل ومئات آلاف الدنانير من أجل الاحتفاظ بعضوية البرلمان، لا يمكن أن يكون الإغراء كامنا في الراتب مثلا؟!
يبدو أن لمنصب البرلماني منفعة هائلة لا يعلمها سوى "أهل الكار" الذين يرون فيه "لقطة" لا يجب إفلاتها، لذا نرى الواحد فيهم يكتب سطره اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي وكأنه يذكر الناس بإنجازاته الخفية بغية تشجيعهم على إعادة انتخابه..
هذا كل ما يملكون تقديمه للرأي العام: منشور على "الفيسبوك".. وكأن النائب الأردني لا يحتاج إلى أي مشروع، وكأن السياسة الأردنية أغرب من أن تقاس بالبرامج!!