الإعلام ورعب المسؤولين.. اللوذ إلى طوق نجاة الصمت على قاعدة سكن تسلم

محرر الشؤون المحلية_ عندما يكون المنصب أكبر من صاحبه، يتسلل إليه شعور بالضآلة كلما حاول الجلوس على كرسيه، أو اضطر للتعامل مع صاحبة الجلالة (الصحافة)!


في هذه الحالات وهي كثيرة بالمناسبة بحكم فرض الواسطة والمحسوبية على آليات التعيين عوضا عن الكفاءة يلجأ المسؤول المتطفل على منصبه إلى آلية دفاع جبانة، في محاولة لترميم "الإيغو" الذي هشمته عدم ملاءمته للموقع الذي يشغله دون استحقاق.. كلمة السر في آلية الدفاع تلك هي: التعالي!


المسؤول المهزوز يلجأ إلى آلية الدفاع المتمثلة بالتعالي هربا من أسئلة الإعلام، واستحقاقات منح المعلومة.. فسواء أكان لا يعرف شيء عن القطاع الذي يتولى فيه المسؤولية، أو كان خائفا من الإفصاح عن حقائق تتعلق بعمله، تكون هذه الآلية هي طريقه للوصول إلى فقاعته الآمنة، بعيدا عن الكاميرات، وفضول الصحفيين لمعرفة الحقيقة، وشغفهم بإيصالها إلى الناس.


هنا، يبدأ المسؤول، أو الناطق الرسمي باسم مؤسسة ما، بالتعامل مع الإعلاميين وكأنهم يستجدون التصريحات والإجابات على أسئلتهم، متناسيا عن عمد أو نتيجة رعب أن هذا يقع في صلب مهامه، وأن الإجابة على أسئلة الصحفيين هي جوهر متطلبات الحوكمة والمصارحة والمكاشفة!


يبدو أن كثيرا من المسؤولين، وناطقيهم الإعلاميين، عالقون بين الجهل بدورهم ورسالتهم حينا، والعجز عن المواجهة أحيانا.. لذا يتهرب الواحد منهم بهذه الوسيلة الجبانة، ويحاول تعويض نقصه بالاستخفاف بالمؤسسات الإعلامية الوطنية، والتكبر عليها!


ما معنى أن تكون وزيرا أو مديرا أو ناطقا رسميا باسم مؤسسة وتتجاهل عن قصد اتصالات الصحفيين وأسئلتهم المكتوبة؟ ألم يخبرك أحد أن التواصل مع الإعلام يقع في صلب مهمات المنصب الذي طاردته حتى وصلت إليه؟!


أضف إلى ذلك أن الإعلامي عندما يحاول أخذ رأي جهة أو مؤسسة حكومية فإنه في الواقع يقدم لها خدمة، تتمثل بإيصال الرأي الرسمي، عوضا عن ترك الباب مفتوحا على مصراعيه للإشاعات أو التكهنات!


على كل مسؤول أن يدرك حقيقة أنه هو من يحتاج إلى الصحفي، وليس العكس.. الإعلام لديه رسالته وسيقوم بأدائها شاء من شاء وأبى من أبى.. عندما ترد شكوى أو ملاحظة تلامس واقع الناس وهمومهم، فإنه لا مجال لأي تردد في نشرها، وعندما يتم ذكر أن المسؤول المعني لم يرد على الاتصالات والأسئلة فإن هذا إقرار ضمني منه بعجزه وخوفه من جهة، وتأكيد للمعلومة أو صحة الشكوى الواردة، من جهة أخرى..


بعض المسؤولين الذين مازالوا يعتقدون أن الإعلام يجب أن يكون في جيب الدولة، فيفصحون عن المعلومة حين يشاؤون، ويحجبونها حين يرغبون، عليهم إدراك أن الصحافة الوطنية المستقلة ليست "الأيسكرا" أو "البرافدا".. وأن آلية التعامل مع الإعلام على طريقة "غوبيلز" قد انتهت وانقرضت منذ الحرب العالمية الثانية..


الإعلام المستقل لا ولن يستجدي المعلومة من أحد، وإذا كان الرأي الآخر الرسمي يفضل الاختباء فهذا شأنه.. شكاوى وهموم الناس ستنشر، شاءات الحكومة الرد أم أبت! على الجميع أن يدرك حقيقة أن الإعلام سلطة رقابية ومعيارا أساسيا للديمقراطية في أية دولة!


إذا كان المسؤول الحكومي غير مدرك لمسؤولياته، وخائفا من الرأي العام، وردود الأفعال، فعليه أن يبدأ بالتفكير في البحث عن وظيفة أخرى تلائمه، وأن يترك المنصب لمن هو قادر على تولي أموره.. فهذا ما يفرضه منطق الأمور.


العلاقة بين الجهات الرسمية والإعلام ينبغي أن تبنى على قاعدة الإحترام المتبادل.. فالإعلام هو حلقة الوصل بين السلطة التنفيذية والناس، وعلى هذه السلطة أن تفهم أن وظيفتها هي خدمة المجتمع، وليس العكس!


اليوم نشهد تطورات متسارعة في كافة المجالات.. بدء من تطورات الوضع الوبائي، وبدء معركة الانتخابات النيابية، وليس انتهاء بالمداهمات الأمنية ومكافحة الجريمة.. للناس أسئلتهم المشروعة حول كل هذه القضايا، ووظيفة المسؤول أن يجيب عليها، لا أن يهرب وينسحب مرتعدا!


بعض المسؤولين يلجؤون إلى أسلوب "سكن تسلم"، من منطلق اعتقادهم بأن اختباءهم من وسائل الإعلام، وعدم الخروج بأية تصريحات، والتقوقع على الصمت، يعني عدم الوقوع في الأخطاء، أو الإدلاء بأية تصريحات قد تغضب رؤساءهم أو تخرج عن إطار آرائهم، فتراهم يلوذون بطوق نجاة الصمت خشية الوقوع في "المحظور"!


رئيس الحكومة، د. بشر الخصاونة، أكد في اللحظة الأولى لتوليه منصبه أن علاقة حكومته بالإعلام ستكون قائمة على أساس الشفافية والمكاشفة، فهل تهرب وزرائه وناطقيهم الإعلاميين من أسئلة الإعلام هي ترجمة لهذه التصريحات النظرية؟!