المحامي عمر العطعوط يعلن انسحابه من الترشح للانتخابات النيابية
عندما أعربت عن رغبتي بالترشح في الانتخابات النيابية المقبلة هذا العام، بعد أن كنت قد أعلنت عن نفس النية في عام 2016 لأعود وأعدُل عن ذلك القرار وقتها، كنت مدركًا تمامًا أن الأسباب التي دفعتني للعدول في المرّة الأولى ما زالت موجودة اليوم، فالقانون هو عمليًا قانون الصوت الواحد بحلّة قوائم شكلية، وهو لا يسمح فعليًا بإقامة تحالفات عريضة حقيقية. كما أن كل المؤشرات تفضح استمرار غياب إرادة حقيقية للإصلاح. مع ذلك، كنت -وما زلت- مؤمنًا أنه وبغياب القدرة على التغيير من خلال الشارع، فإن الانتخابات النيابية يمكن أن تكون وسيلة مهمة لجمع الناس الذين يؤمنون بقيم العدالة والمساواة بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق، ومبادئ الدولة المدنية الديمقراطية. وما زلت مؤمنًا أيضًا بأننا ينبغي ألا نستسلم لكل السياسات التي أوصلتنا إلى فقدان الثقة بأهمية المؤسسة البرلمانية ودورها بصفتها الركن الأول من أركان نظام الحكم في الأردن.
مع هذا، ورغم محاولتي الحقيقية للتعاطي مع التحديات بإيجابية وحد منطقي من البراغماتية، إلا أنني أجد نفسي في مواجهة حقيقة لا مفر منها، وهي أن الاستمرار بالترشّح في ظل الظروف الحالية سيكون سلوكًا غير مسؤول منّي تجاه كل الأشخاص الذين عبّروا عن دعمهم لي. فاليوم، وفي غياب أي بوادر لتأجيل الانتخابات، ومع التزايد المطّرد لعدد إصابات ووفيات فيروس كورونا في الأردن (بلغت نسبة ازدياد الإصابات خلال 14 يوم 122%، ويأتي الأردن في المرتبة الثانية عالميًا في سرعة تضاعف عدد الحالات)، كيف يمكنني أن أدعو الناس للقاءات جماعية - حتى لو كانت صغيرة في حدود ما تسمح به أوامر الدفاع؟ وكيف يمكنني أن أطلب من أي شخص الخروج من منزله للتصويت يوم 10 تشرين ثاني؟
إن هذا الوضع للأسف يعطي أفضلية للمرشحين المنتمين إلى تنظيم سياسي، وللمرشّحين المعتمدين على المال السياسي الأسود. إضافة إلى ذلك، ومع إدراكي المسبق لمشاكل القانون وتأثيرها على تشكيل القوائم وطريقة عملها، إلا أنني عندما انخرطت في العملية بشكل مباشر في الأسابيع الماضية فوجئت بأن الواقع أسوأ من أكثر توقعاتي تشاؤمًا، ووجدت نفسي غريبًا في محيطٍ كنت أعتقد أنني أعرفه، وأدركت أنه لا يمكنني تحت مسمّى البراغماتية السياسية أن أقبل بأساليب تخالف القيم التي أؤمن بها والتي ترشّحت بناءً عليها.
كل هذا يدفعني للأسف لإعلان انسحابي من الانتخابات القادمة، مع خالص شكري وتقديري لكل فردٍ دعمني ووقف معي. ثقتكم تشرّفني، وآمل أن أظل أهلًا لها، وسأبقى أعمل معكم نحو الأردن الذي نطمح إليه، أردن مدني ديمقراطي لكل بناته وأبنائه.
المحامي عمر العطعوط