افتقد الرعب والإثارة.. "ربيكا" صورة جميلة لم تنقذ فيلما باهتا
تعتمد قصة فيلم "ربيكا" (Rebecca) وإثارتها على شخصيات الأبطال الأربعة بمن فيهم الزوجة الغائبة التي يحمل الفيلم اسمها، فالتناقض بين شخصية الزوج الغامضة للغاية، وبراءة وسذاجة الزوجة الشابة، وسلطة الزوجة الميتة، وسطوة مديرة المنزل، هي ما أسس للرعب في الفيلم الذي يمكن تقديم قصته بشكل مختلف تماما لو تمت إزالة هذه الخصائص من الشخصيات.
يُعرض الفيلم في الوقت الحالي على منصة نتفليكس، وهو من إخراج بن ويتلي وبطولة آرمي هامر ولي لي جيمس وكريستين سكوت توماس، ومقتبس من رواية بذات الاسم نُشرت لأول مرة عام 1938 للكاتبة دافني دو مورييه.
ربما كان الفيلم يمر بسلام، ويحظى باستجابة جيدة من جمهور المنصة المتعطش للأفلام الجديدة دومًا، لولا شهرة الرواية الواسعة من ناحية، ومن ناحية أخرى: في موضع المقارنة مع تحفة المخرج الكبير ألفريد هيتشكوك التي فاز عنه بجائزة أوسكار أفضل فيلم منذ 80 عاما.
ولذلك فإن الفيلم الأحدث خضع إلى تحليل متشكك، سواء في نواحيه الفنية أو حتى فكرة تقديم المخرج لعمل سبق تقديمه في 4 أفلام بالإضافة إلى المسلسلات والمسرحيات.
ما بين القوطية والإثارة
تدور أحداث الفيلم بنسختيه حول أرمل منتصف العمر، يسافر إلى مونت كارلو لينسى أحزانه بعد وفاة زوجته الجميلة والرائعة ربيكا، وهناك يقابل شابة في العشرينات، ساذجة ويتيمة تعمل لدى سيدة من الطبقة الأرستقراطية، ويقضيان الوقت معًا في غياب ربة عملها، حتى تقع في حبه.
وعندما يحين وقت عودتها مع سيدتها يعرض عليها الزواج، لتنتقل سريعًا معه إلى قصره العظيم، الذي تحكمه كل من مديرة المنزل الصارمة وشبح زوجته الراحلة المسيطر على المكان بصورة نفسية.
تنتمي الرواية إلى نمط الرعب القوطي، حيث المنزل المتسع الذي له سيطرة نفسية، مع الأسرار التي تحيط المكان، بالإضافة إلى الإثارة النفسية وذلك بالضغط الذي تمثله مديرة المنزل على شخصية البطلة الشابة، وكذلك القلق المستمر من الأسرار التي يبدو أن الزوج يخفيها عن الشابة الجميلة والساذجة.
والأدب القوطي نوع خاص جدا من الأدب الرومانسي الذي يتميز بأجواء الرعب والغموض التي تسوده، وبعنصر التشويق الذي يهيمن عليه عن طريق مجموعة من الأحداث المتداخلة والمتتالية.
امتلك هيتشكوك بفيلمه إنتاج 1940 مفاتيح الرواية، فضاعف من جرعة الإثارة والتشويق عن طريق استخدامه البارع لكل من الإضاءة والديكور والملابس، لتبدو بطلته طوال الوقت هشة وضعيفة أمام سطوة المنزل والسيدة دانفرز، والزوجة السابقة ربيكا التي لم نر صورتها طوال الفيلم، ولكن كانت حاضرة بتأثيرها الواضح على الجميع وكأنها المحركة الحقيقية للأحداث.
ولم يستطع مخرج الفيلم الأحدث استخدام أي من أدواته السينمائية التي من المفترض أنها تطورت على مر السنوات، وعلى عكس محدودية التصوير بالأبيض والأسود، صنع هيتشكوك الرعب من هذا التلاعب بين الضوء والظل.
ولكن ويتلي استخدم الإضاءة طوال الوقت ليكوّن صورة "جميلة" فقط، لا تعبر عن مضمون الرعب القوطي، ولا القلق الذي تعانيه الشخصيات، واستعاض عن ذلك بالمؤثرات البصرية في مشاهد الحلم، ولكن ذلك لم يصنع الرعب بقدر ما تسبب في إظهار اضطراب البطلة والفيلم معا.
وظهر ذلك أيضًا في تصميم الملابس الخاصة بالبطلة، إذ كانت في الفيلم القديم بسيطة للغاية وغير لافتة بصورة متعمدة، مع مشهد يظهر مدى بذخ خزانة ملابس الزوجة الراحلة، لتمثل الملابس الفارق الواضح بين الزوجتين وتعزز من شعور الشابة بانعدام الكفاءة وعدم القدرة على التأقلم مع الواقع الجديد لها كزوجة أرستقراطي شهير، في حين الملابس في الفيلم الأحدث تبدو رائعة للغاية، ولكن لا تليق مع الزمن الذي دارت به الأحداث، ولا مع الشخصية نفسها.
أبطال فقدوا بوصلتهم
ولم تنجح جاذبية كل من هامر وجيمس، أو موهبة توماس، في إعادة التوازن لهذه الشخصيات، فخرجت باهتة للغاية.
أما البيت، وهو أحد أهم عوامل الرعب في القصة الأصلية والفيلم القديم، والذي من المفترض أن يمثل مصدر تهديد للبطلة، سواء بكبر حجمه أو بقدرة الزوجة السابقة على إدارته بالمقارنة مع عدم كفاءة بديلتها الشابة، فقد اختار هيتشكوك أن يظهر دومًا اتساعه وعظمته، على عكس الفيلم الأحدث الذي أيضًا تم تقديمه بشكل سطحي للغاية كمنزل فخم ملئ بالتحف الفنية، ولكن لا يحمل الثقل النفسي المطلوب.
وبذلك قام ويتلي بتجريد شخصياته وقصته من أهم جوانبها، وترك محلها مشاهدة مصورة لتبدو جميلة للغاية، وملابس مصممة لتصبح محل إبهار، وأبطال وسيمين بشكل لا يصدق، ولكن ذلك لا يصنع فيلما محكما مثيرا ومرعبا بلا أي أشباح حقيقية أو جثث متحركة.