"الصحة" والغوص في رمال ازمة كورونا المتحركة في غياب خطة اعلامية واضحة



تكتسب وسائل الإعلام والاتصال المتعددة وفي مقدمتها الإعلام الالكترني، أهمية بالغة ، ويتعاظم دورها في الازمات، وتصبح المحرك الرئيس للفعل ورد الفعل، إذ يتعرض الناس في كل لحظة لسيل دافق من الضخ الاعلامي، يجعلهم في حالة من التشتت والارباك والحيرة وغياب بوصلة الاتجاه الصحيح لعبور الازمة بسلام،وبالحد الأدنى من المخاطر والخسائر والتداعيات .

وفي الازمة الصحية الراهنة، يبرز بشكل ملح ضرورة اتباع الممارسات الإعلامية الفضلى وعلى رأسها، امساك وزارة الصحة- تحديدا - بزمام الأمور عموما وفي الجانب الاعلامي خصوصا وقيادته ، بما تمتلك من المعلومات العلمية الدقيقة الموثقة.

ويقع على كاهل الوزارة، مهنيا وأخلاقيا، مهمات حيوية في مقدمتها دق جرس الانذار المبكر، وتعزيز المعرفة الصحية السليمة والثقة عبر منظومة المصداقية والشفافية، وليس من طريق آخر لبلوغ ذلك الا من خلال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري والانفتاح عليها وتزويدها بما تمتلك من معلومات لتلبية احتياجاتها والحيلولة دون فراغ اعلامي يسده الجهلة والعابثون والمتربصون شرا واللاهثون وراء الظهور الاعلامي .

وتجمع الدراسات والأبحاث الأكاديمية الرصينة، والتجارب والخبرات المكتسبة من أزمات محلية وعالمية حالية وسابقة انه من المستحيل بلوغ اعلام وازن فاعل ومؤثر دون خطة اعلامية واضحة مدروسة بروية وعمق تعد مسبقا وتفعل مباشرة في الازمات كسبا للوقت وعدم اضاعته في إعداد الخطة تحت وقع الازمة وما تشكله من ضغط نفسي يربك التفكير ويشتته ويحرفه عن مبتغاه.

ومن الضروري والاكيد، ان تشتمل الخطة محتوى ومضامين ورسائل اعلامية تستند إلى معلومات علمية دقيقة موثقةمتفق عليها ومقره وواضحة لا لبس فيها وغير حمالة للاوجه لا مجال فيها للتفسير والتأويل والاجتهاد الذاتي، وأن تصل الناس في الوقت المناسب، ولا بد ان تمتلك الخطة أدوات القياس والتقييم والمرونة الكافية لاتاحة المراجعة والتعديل بما يتوافق مع الظروف والمتغيرات التي تفرضها طبيعة الازمة وتداعياتها والتغذية الراجعة.

ويكتسب تحديد الادوار والمرجعيات المخولة بالتصريحات الاعلامية أهمية استثنائية بالغة في الخطة الاعلامية، وليس من العيب، لا بل انه من الضروري حصر هذه التصريحات في زمن الازمة المحددة بشخص واحد مختص في مجالها المهني يمتلك المعلومات الموثقة ويصل إليها بسهولة ويسر ولديه القدرة والتدريب الكافي للظهور الاعلامي بثقة وجرأة وانفتاح دون خوف او تردد وتلكؤ.

ولست هنا بصدد التنظير في المسألة الاعلامية، فهذا من شأن أساتذة الإعلام ومدرسوه في الجامعات وغيرها، لكنني بصدد تقييم اعلام "الصحة" - واشك بوجوده- فقد اوقعنا في ممارسات شوهت الازمة الصحية التي نمر بها وزادتها تعقيدا عزز المفاهيم الخاطئة والشائعات وروح النكتة والدعابة بما لا يتناسب مع حجم الخطر وجديته ومآلاته المدمرة ليس صحيا فحسب وإنما اقتصاديا واجتماعيا على حد سواء.

ومباشرة، انتقل بعد هذه المقدمة، للجانب التطبيقي، واطرح السؤال حول دور إعلام "الصحة" في الازمة التي نواجهها بانتشار وتفشي وباء كوفيد ١٩ (كورونا)، هل استطاع التعاطي مع الازمة والتفاعل مع معطياتها لتعزيز الوعي بأبعادها ومخاطرها وبالتالي مواجهة التحدي والانتصار على الفيروس وهزيمته؟؟واجزم انه قد فشل فشلا ذريعا، ووبساطة متناهية ارد ذلك لغياب الخطة الإعلامية.

ويتبدى الفشل بوضوح وجلاء في المدخلات والمخرجات التي وصلنا إليها منذ بداية الازمة الصحية إلى يومنا رغم المدة الزمنية الكافية والكفيلة بتقييم ممارستنا الاعلامية واخذ العبر والدروس منها، ولو فعلنا لتجنبنا الوحل الذي نغوص فيه ويكاد يغمر رؤوسنا!.

وفي ظل غياب الخطة الاعلامية ، تصدر المشهد الاعلامي الرسمي التخبط والارباك والعشوائية والمزاج الفردي والتقييم الذاتي المطلق والسباق المحموم بين مسؤولي الوزارة للظهور الاعلامي وغياب المحتوى الناضج المستند للعلم والمعرفة الصحيحة وتعدد التصريحات وتناقض المسؤول مع ذاته والتضارب في تصريحات المسؤولين داخل الوزارة والهجوم الشرس الذي شنوه على بعضهم البعض وتبادل التهم عبر وسائل الاعلام .

ونتذكر جميعا التصريحات الارتجالية المتسرعة والمتهورة والعشوائية التي أطلقها جزافا العديد من مسؤولي الوزارة، واصبحت مجالا خصبا لتندر الناس وتهكمهم، وتحولت إلى نكات تناولتها بالاستهزاء والسخرية وسائل اعلام محلية وعربية ومنصات التواصل الاجتماعي .

وفي ظل واقعها الإعلامي المزري، وقعت وزارة الصحة في المحظورات، ففقدت المصداقية وثقة الناس، وأفلت زمام الأمور من يدها، وصار الأفراد والجماعات يدلي كل بدلوه على هواه، وخلقت الوزارة بذلك المناخ الأنسب لانتشار الاشاعة ورواجها لملىء الفراغ وحاجة الناس للمعلومات وغيابها في ظل اعلام رسمي عاجز.

ويتفاقم انتشار الوباء وتفشيه، ويزداد عدد الاصابات والوفيات، فتزداد الازمة ضبابية وغموضا، ويطرح الناس اسئلتهم للفهم والاستيعاب ، ولا صوت يجيب غير صدى أسئلتهم، والمشهد الاعلامي الرسمي العاجز ما زال يدفن راسه في رمال الازمة المتحركة، فيزداد خوف الناس وهلعهم واستسلامهم للاشاعة في غياب اعلام رسمي واع ينشر المعرفة والمعلومات الدقيقة وفق خطة اعلامية واضحة المعالم.