هل تستطيع أمريكا أن تكون Great Again؟
راقبت الشعوب حول العالم الانتخابات الأمريكية بشغف، وكأنه فيلم هوليودي، ومع أن الانتخابات بدت محسومة منذ اليوم الأول لصالح المرشح بايدن (الرئيس الأمريكي حالياً)، الإ أن "المخلوع ترامب" (بحسب ما يصفه العرب الذين عانوا من تركته الكارثية والضخمة)، لم يترك هذا النصر يمر مرور الكرام، ولم يتقيد بأعراف وتقاليد الانتخابات كمن سبقوه، من خلال انتقال سلسل او تهنئة أو تقبل صامت لخسارته، وهو أيضاً متوقع وسنشهد نزاعاً بين الرئيس المنتخب والرئيس السابق، ولن يكون ترامب هو ترامب لو مر الأمر بسلام.
تبنى الرئيس المنتهي مدته الرئاسية شعار 'Make America Great Again'، ولكن حجم الضرر الذي تركه خلفه بلغة السياسة "إصلاحه أقرب للمستحيل"، فعلى سبيل المثال ما قدمه للكيان الصهيوني أصبح بالنسبة لهم حق مكتسب ومن الصعب العودة للوراء للتفاوض عليه، بالإضافة الى توجس الصين من أي رئيس أمريكي قادم، حيث أن "ترامب" خالف كل الأعراف وخاض حرباً ضد ثاني أكبر كيان تجاري بالعالم، بسبب اعتقاده بأن ميزان التجارة يجب أن يكون لصالح بلده، بغض النظر عن الاتفاقيات الدولية والتجارة الحرة (التي أسسها الغرب)، وقام بالانقلاب على الاتفاقية النووية الإيرانية، مما دفع ايران للانسحاب من الاتفاقية وتحدت المجتمع الدولي بزيادة التخصيب، وانسحابه غير المفهوم من اتفاقية المناخ ولأسباب واهية من منظمة الصحة العالمية، وحتى المهاجرين من ويلات العالم باتجاه "الحلم الأمريكي" أنشئ لهم معسكرات نازية وفصلهم عن أبنائهم فأصبح "الرعب الأمريكي".
لم يقتصر حجم الدمار على السياسة الخارجية، بل وأصاب الأمريكيين في مقتل، حيث أن أرقام الكوفيد-19 هي الأعلى بالعالم (وفيات وإصابات!)، والأهم بأنه لم يتخذ قرارات حاسمة للحد من انتشار الوباء خوفاً من خسارة قاعدته الانتخابية، ولم يقف عند هذا الحد بل هاجم العلماء وتحدى الجميع بعدم ارتداء الكمامة (مما انعكس سلباً عمن يثقون به، فقاموا بتقليده)، بالإضافة الى ادعاءه بتوفير لقاح قبل بدء الانتخابات وهو ما اتضح أنه كذب دعائي، وأيضاً عدم اتخاذه إجراءات فاعلة بمكافحة عنصرية الشرطة التي قتلت عدد من المواطنين خلال الفترة الماضية، مما أدى الى موجة طويلة من الاحتجاجات، كان يمكن كبحها من خلال تطبيق العدالة، وغيرها الكثير من السياسات الداخلية التي أظهرت تخلي الناخبين عنه بسبب الدعاية الكاذبة والضعف الإداري إن صح التعبير.
عودة للسؤال الرئيسي، هل تستطيع أمريكا أن تعود عظيمة؟ هنالك شقين للإجابة، الأولى داخلية تخص الشأن الأمريكي، كمكافحة الوباء والنهضة الاقتصادية ومواجهة العنصرية وغيرها، ولن أخوض بها فهي لا تعنيني، أما الثانية فهي السياسة الخارجية، والتي تعنينا جميعا في هذا العالم، فالعالم بحاجة الى من يقوم بالتدخل في النزاعات والحروب وتنظيم العلاقات الدولية، والمقصود الحاجة الى شريك قوي ليعيد النظام العالمي لمساره الصحيح، وهنا يأتي دور القوى الاقتصادية والعسكرية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والمطلوب من الرئيس "بايدن" هو ما يلي:
حل الدولتين وعدم التحيز، فقد تنازلنا بما يكفي ونريد شريك ينصفنا نحن العرب، فقد تعايشنا بسلام مع كيان سرطاني ولم نأخذ متراً واحداً من حقنا المعترف به دولياً، بالإضافة الى وقف الحرب التجارية مع الصين ووقف الادعاءات الزائفة بحقها، حتى ننعم بازدهار تجاري عالمي، وإعادة الاتفاق النووي مع ايران، حتى ننعم بسلام في المنطقة، والأهم العودة الى اتفاقية المناخ ومنظمة الصحة العالمية، فكلنا بحاجة الولايات المتحدة الأمريكية لتقف مع هاتين القضيتين، فالتقلبات المناخية مقلقة بجانب الوباء الذي تخطى كافة الحدود وأصبح يهدد الجميع.
بالنهاية، تنتظر بايدن ملفات شائكة، تحتاج الى قرارات جريئة، وبالطبع سيبدأ بإصلاح بيته الداخلي قبل الانطلاق الى العالم، ويقال بأنه سياسي محنك، ولكن "هل يصلح بايدن ما أفسده ترامب؟" ستكون الشهور المقبلة هي الفيصل وهي المؤشر على عودة عظمة الولايات المتحدة، ويجب أن يظهر "بايدن" سياسته اتجاه هذه القضايا بأقرب وقت حتى يستطيع نيل ثقة الحكومات والأمم (التي تشابه الانتخابات الأمريكية)، ورسم خارطة المستقبل الآمن، ولكن أي تأخير أو مماطلة تعني بأن لا شيء سيتغير وبأننا ننظر لوجهان لعملة واحدة، وأن الثقة ستبقى معدومة أو بأحسن أحوالها منخفضة كمن سبقه.