قتلتها الشرطة البلجيكية.. مودّة ليست طفلة إنها مهاجرة
بعد أن قتلتها الشرطة البلجيكية في 16 مايو/أيار 2018 حين كانت في حضن أمها بسيارة كانت العائلة تستقلها بحثا عن الأمن والأمان، وقد برأت السلطات قاتلها آنذاك.. ها هو اليوم يجر إلى العدالة جرا.
الطفلة العراقية الكردية مودة شاوري قتلت على الطريق السريع بمدينة ميزيير البلجيكية، وهي تستقل شاحنة صغيرة في معية والدتها ووالدها وأخيها البالغ من العمر 4 سنوات وعدد آخر من المهاجرين.
وقد نشرت الخبيرة السياسية فاطمة أوساك في مدونتها بموقع ميديابارت Mediapart الفرنسي عرضا لقصة مودة وما آلت إليه، قائلة إن القاتل أطلق النار من إحدى سيارات الشرطة التي كانت تتعقب الشاحنة كجزء من عملية تصيد للمهاجرين غير النظاميين، فدخلت الرصاصة بالقرب من فتحة أنف الفتاة اليمنى لتستقر بعد ذلك في رأسها مباشرة.. لكن مودة ليست بطفلة، إنها مهاجرة، على حد تعبير الكاتبة.
توقفت الشاحنة، وخرج منها والد مودة يحملها بين ذراعيه، ليسلمها إلى أحد رجال الشرطة ويتوسل إليه قائلا "من فضلك سيارة إسعاف! من فضلك سيارة إسعاف!" ليأخذ الشرطي الطفلة ويضعها على الأسفلت، ثم يقدم على اعتقال الآخرين بمن فيهم والد مودة ووالدتها وشقيقها الصغير، إنه يرى أخته الصغيرة على الأرض، فاقدة للوعي ومضرجة بالدماء، وهو في حالة صدمة، إنه رهن الاعتقال، إنه ليس بطفل، إنه مهاجر، كما تقول الكاتبة.
رفضت الشرطة السماح للوالدين بمرافقة ابنتهما في سيارة الإسعاف، ليتم نقل الوالدين وولدهم الصغير إلى السجن، أما مودة فإنها لفظت أنفاسها الأخيرة بعد الحادثة بــ 30 دقيقة، ماتت وحدها في سيارة الإسعاف.
وبحسب الكاتبة لم تتأخر السلطات في نسج قصة تفسر بها ما وقع للطفلة، فلم يطلع فجر اليوم التالي إلا وقد وجدوا تفسيرا قدم في تقرير يقول "كان والدا مودة هما من استخدم رأس الطفلة الصغير ككبش لتحطيم نافذة الشاحنة وربما لإلقاء جسد الطفلة تحت عجلات سيارة الشرطة في محاولة لإبطائها، وكانت صدمة الرأس هي التي تسببت في الوفاة، وهذا يتناسب مع الأكراد، اذهب واكتشف ما يستطيع هؤلاء الناس فعله، فالأكراد مزيج من العرب والأفغان.. هؤلاء الناس لا يحبون أطفالهم، بل يلدون أطفالا لاستغلالهم في مآرب شخصية، أو لتلقي مخصصات عائلية".
لم يطلق أحد النار، بل ماتت الطفلة لأنها استخدمت كبش فداء: هذه هي الرواية الرسمية في تقرير الخبراء الأول.
يعود الشرطي إلى المنزل في الصباح الباكر، بهدوء، ولم تصل عقارب الساعة السابعة صباحا، حتى أُبلغ القاتل بأنه لن تتم مقاضاته.
في تلك الأثناء، والدة مودة لا تزال في السجن دون إمكانية تغيير ملابسها، لم يتكلفوا عناء إبلاغها أنه لم يعد هناك أمل، وأن الأمر قد انتهى، وأن ابنتها ماتت، جف دم طفلتها عليها، لكن الطفلة لم تعد في حضنها ولم يبق سوى رائحة دمها، فالذي حدث بكل بساطة: تجريم للاجئين وتجريد الوالدين من إنسانيتهما وتجريد للأطفال من براءتهم، تقول الكاتبة.
وتستمر الكاتبة في سرد الحكاية: وسعت السلطات البلجيكية بسرعة للتخلص من جثة مودة في مقبرة جماعية، بدون دفن، بدون اسم، بدون أي شيء، وفي الوقت نفسه، طلبت من أبويها مغادرة المنطقة وبسرعة وكأن شيئا لم يكن، فلا أحد رأى ولا أحد سمع.. إنها جريمة مكتملة الأركان.
ولكن، بفضل تصميم الوالدين شاوري، وبدعم من الشرفاء، دفنت الطفلة الصغيرة بكرامة وبفضل تصميمهم وتعبئتهم، أقر ضابط الشرطة أخيرا أنه أطلق النار على البنت وأن ذلك كان سبب وفاتها.
تقول الكاتبة: هنا لابد من أن نحيي عمل التحقيق المضاد الرائع للغاية الذي قام به الصحفي ميشال بوفيو.
وبفضل الكفاح الذي قادته الأسرة عبر لجنة مودة وبفضل محامية العائلة سلمى بن خليفة، ستجرى محاكمة بشأن هذه القضية، في 23 و24 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي أمام الدائرة الإصلاحية السادسة لمحكمة هينو.
ستكون محاكمة للشرطي القاتل، ومحاكمة لشرطة وعدالة وطبقة سياسية. وعلى نطاق أوسع، ستكون هذه محاكمة لأوروبا المجرمة، فما قيمة حياة مودة شاوري؟ بالنسبة لهم.
نسأل الله أن يفتح أبواب الجنان لمودة الصغيرة، التي ستسكن قلوبنا وإلى الأبد. هكذا اختتمت الكاتبة القصة الحزينة للطفلة مودة.
المصدر : ميديابارت - الجزيرة