تسريبات تنذر بتفسّخ المنظومة الصحيّة تسبق اختباء المسؤولين.. وتصوّر يختزل دولة القانون بأفلام رعب بوليسيّة!
محرّر الشؤون المحليّة_ كارثة حقيقيّة، عكستها معلومة سرّبتها مؤسّسة محظيّة، هي قناة المملكة، التي تعدّ أكثر وسائل الإعلام الرسمي دلالا لدى صنّاع القرار، مفادها أن 99٪ من الأسرّة المخصّصة لعلاج مرضى كورونا في مستشفيات إربد الحكوميّة قد امتلأت، بالإضافة إلى وجود نقص في عدد أجهزة التنفّس.
المعلومة المسربّة، على لسان مصدر دون ذكر اسمه أو صفته، ألقيت إلى الرأي العام، كسبق صحفي، دون صدور أي تصريح رسميّ واضح، حول ما إذا كنا فعلا قد وصلنا إلى هذه المرحلة بالغة الخطورة.
إذا كان المنحنى الوبائي قد وصل بخطورته إلى هذه الدرجة في محافظة إربد، فهذا يعني أنّنا على قاب قوسين أو أدنى من انهيار المنظومة الصحيّة، ليس في إربد وحدها، بل في كافّة مدن ومحافظات المملكة، خاصّة وأن مساعد الأمين العام للرعاية الصحيّة في وزارة الصحّة، د. غازي شركس، كان قد صرّح حرفيّا بأن وصول نسبة الإشغال للأسرّة إلى 80٪، يعني بلوغ مرحلة الخطر، متوقّعا في ذات الوقت تضاعف أعداد الإصابات خلال نحو أسبوع.
هل فعلا وصلت نسبة إشغال الأسرّة في إربد إلى 99٪؟ وفي حال كان الأمر صحيحا؟ ما هي الإجراءات الحكومية الفوريّة للتعامل مع هذه التطورات الكارثيّة؟!
كان يفترض أن توضح الحكومة على لسان وزير الصحّة، د. نذير عبيدات، ومسؤول ملف كورونا، د. وائل هياجنة، كافّة التفاصيل المتعلّقة بالإجراءات الرسميّة لاحتواء الوضع في إربد، في حال كان ما ورد صحيحا.. أما إلقاء المعلومة بهذا الشكل، ثم فرض الصمت حول المسألة، فهذا من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه لكافة المخاوف والتكهّنات..
أّما في حال كان ما ورد غير دقيق، فهذه مصيبة أخرى.. فكيف يقوم الإعلام الرسمي بإثارة الهلع بين أكثر من مليون مواطن، في إربد وما حولها، دون صدور توضيح حول ما يثار من أرقام غير مدعّمة بتصريحات رسميّة؟!
وسائل الإعلام المستقل، ومنها الأردن24، حاولت التعامل مع هذه المعلومة بمهنيّة وموضوعيّة، والتأكد من وزير الصحة ومن مسؤول ملف كورونا بشأن ما يشاع، وسؤالهما عن الإجراءات التي ستتّخذ لاحتواء الوضع.. لكن لايزال كلّ منهما مختفيا في حالة من الصمت المطبق، متهرّبين من الردّ على الاتصالات الواردة، والأسئلة المكتوبة!
ترى، هل هكذا ينبغي أن يتعامل المسؤولون مع الرأي العام؟ إلقاء تسريبات مثيرة للهلع، ثم اللوذ بالصمت المطبق؟!
حكومة الخصاونة بدأت عهدها بالحديث عن هيبة الدولة والقانون.. وترجمته بمشاهد انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لقوّات الأمن وهي تقوم بضرب مواطنين في الشوارع والزقاق، فهل هذا هو ما يحدّد تصور الحكومة عن دولة القانون والمؤسّسات؟!
في حال ارتكب أحدهم مخالفة للقانون، يفترض أن يكون التعامل معه بمهنيّة لا تستهدف امتهان كرامته أو المسّ بحقوقه الأساسيّة، فدور الأجهزة الأمنيّة يقتصر على تحويل المخالفين إلى القضاء، وليس معاقبتهم بالضرب المبرح في الشوارع.. هذه السمة البوليسيّة التي تعود للقرن الماضي لا علاقة لها بهيبة الدولة، ولا بدولة المؤسّسات!
دولة المؤسّسات والقانون تعني ضمان حقّ المواطن بالعيش بكرامة، ومعرفة كيف ستتعامل الحكومة مع خطر الوباء الذي يهدّد حياته، عوضا عن الصمت بعد إلقاء تسريبات مرعبة حول واقع المنظومة الصحيّة في ظلّ تصاعد الخطر الوبائي.. هيبة الدولة تتحقّق بالمكاشفة والشفافيّة، وليس بالضرب والمشاهد البوليسيّة، التي لا يمكن أن يقبل بها الأردنيّون..
ماذا عن الشفافيّة وحقّ المواطن في معرفة الكيفيّة التي ستتعامل وفقها حكومته مع الفيروس الذي يحتل 99٪ من أسرّة مستشفيات إحدى أهم المدن الرئيسة، في حال كان ما سرّبه الإعلام الرسمي صحيحا؟ وماذا لو كانت المعلومة غير دقيقة؟ فهل يبرّر السبق الصحفي إثارة الهلع بين الناس على هذا النحو؟
معلومة مرعبة تلقى على عجل، ثم يلوذ المسؤولون بالصمت، متهرّبين من أسئلة الإعلام المستقلّ، الذي من خلاله فقط يمكن إطفاء جذوة المخاوف وإغلاق الباب في وجه الشائعات والتكهّنات، وحالة الشك التي بدأت تحوم حول الإجراءات الحكوميّة في التعامل مع الوباء.. فهل هذه هي ترجمة الحكومة لمفهوم هيبة الدولة؟