على سبيل ما يجري في القطاع الصحي الخاص..
حالتان في الفترة الماضية تحسست فيهما مدى فحش التربح على حساب صحة البشر... كنا لوقت لا بأس به نعتبر أن القطاع العام متمثلا في مدارسه وعياداته وجامعاته أكثر جودة ورعاية وعناية بالمواطن، وكانت ميزة أن تقول بأنك من طلبة مدرسة حكومية أو وكالة، كان الذين يلتحقون في المدارس والجامعات الخاصة على ندرتها هم أصحاب الفرص القليلة وذوي المعدلات المتدنية أو أولئك المترفون الذين يتسلون في قضاء وقتهم، أو من الميسورين الذين يجبرهم أهاليهم على إكمال الدراسة.
كانت الجامعات والكليات الخاصة مقصورة على من لم يحالفهم ( الحظ والمعدل) بالالتحاق في احدى الجامعات الرسمية، فيصر أهاليهم لإلحاقهم في أية جامعة خاصة. أي أنها كانت الخيار الأخير بعد أن تغلق في وجوههم أبواب الجامعات الرسمية.
كان السمو الأكاديمي والفخر أن تكون ابن الجامعة الأردنية كمثال.
ومع زيادة الطلب على التعليم وعلى الصحة، ومع انحدار واضح في مستوى الخدمات المقدمة من قبل هيئات التعليم والصحة الرسميين.
حالتان تلمست فيهما مستوى التربح على حساب صحة المواطن، وذلك من خلال فاتورة المستشفى النهائية لمريض أصيب بفيروس الكورونا، وتم إدخاله لمستشفى خاص لمدة ست أيام، وبلغت قيمة ما سمي بالعلاج والإقامة والمستلزمات الطبية والمستلزمات غير الطبية والكافتيريا مبلغ وقدره ( 6000 دينار)، فيما حالة أخرى لإمرأة تعاني من فشل كلوي، تم عند إدخالها إجراء فحص الكورونا لها وكانت النتيجة سلبية، وبعد عدة أيام من العلاج تم تقرير الخروج لها وإجراء فحص الكورونا حيث ظهر أن النتيجة إيجابية، أي أن إصابتها حصلت داخل المستشفى وأثناء العلاج لها في غرفة العناية الحثيثة. وتم إبقاء المريضة في المستشفى لعدة أيام أخرى للتخفيف من حدة الفيروس الذي أصيبت به في المستشفى، وعند استكمال عملية الخروج لها، بلغت قيمة فاتورة علاجها (11000 دينار). مع أنه لم تجرى لها أية عمليات كبرى أو متوسطة أو حتى صغرى، فقط تحاليل وأدوية وإقامة.
ويبدو أن هناك ثقافة استهبال المواطن لدى القطاع الصحي الخاص من حيث توافر مساحة للمساومة والتسويات تعتمد على حجم وتأثير ونبرة صوت وطبيعة علاقة مع أحد الموظفين في المستشفى كي يتم ما يدعى بخصم نسبة من المبلغ الإجمالي تتراوح ما بين ( 10- 20%) وربما تزيد عندما يزداد الضغط ووتيرة الصوت على المستشفى.
والأمر ذاته في المدارس والجامعات الخاصة التي تتلاعب ضمن هامش ما يسمى بالخصومات بحيث تتيح المجال للمساومات بين الطرفين.
نعم أنا أعي جيدا أن واقع المؤسسات الطبية والتعليمية الرسمية في أردأ حالاتها، وأعي أن هناك مستوى من الرفاهية المكلفة والخدمات المصاحبة التي يوفرها القطاع الخاص تتطلب كلفا مباشرة ومحددة. وأعي في المجمل أن غايات القطاع الخاص الربحية بالدرجة الأولى وهذا طلب مشروع ومفهوم. لكن:
عندما تصبح المدارس والجامعات الخاصة تستوعب أعدادا غير قليلة من الملتحقين، حيث تشير الإحصاءات الرسمية أن ما نسبته 45% من طلبة التعليم هم في المدارس الخاصة، هنا لا نتحدث عن شريحة تجارية، بل نتحدث عن واجب وطني كبير يفترض بالقائمين عليه تعديل غاياتهم ومسؤولياتهم ضمن آليات المسؤولية المجتمعية، وفي المقدمة منها ترشيد مفهوم العوائد المتوقعة مقابل النفقات والكلف الفعلية.
تماما كما هو الحال مع الواقع المعاش في ظل جائحة كورونا التي عجزت الدول القوية في مواجهتها والتي تمتلك نظما صحية راسخة، هنا نتوقف طويلا في ضرورة قيام القطاع الصحي الخاص بالمساهمة الفعالة في التغلب على الجائحة واستيعاب أعداد تتناسب وحجم القطاع الخاص، مع سقف سعري يمكن لنسبة كبيرة من المواطنين تحمله في حال دخولهم للعلاج في أي مستشفى خاص.
يجب الآن أول ما يجب تحييد فكرة الربحية من مرضى الكورونا لأننا نتحدث عن وباء عام وليس مريض يقرر لوحده العلاج ضمن مستويات ورفاهية معينة.
المطلوب ليس وضع اليد من طرف وزارة الصحة، بقدر ما هو مطلوب المبادرة الذاتية من كل القطاع الصحي الخاص في إعداد تصورات واضحة ومحددة وبنسب تتجاوب مع طبيعة حجم كل مستشفى، وبما يسهم في تحمل جزء لا بأس به من الجائحة.
كما أنه ينبغي تحديد سقوف واقعية لعوائد المدارس والجامعات والمستشفيات والعيادات الخاصة، لأنها بالأساس تقوم على تقديم خدمات وليس إنتاج كما هو الحال في المشاريع الصناعية والزراعية، أي أن زبون تلك الهيئات هو الإنسان ، هو المواطن. وبالتالي فلا ضير من التوازن بين الرسالة والعائد، بين المسؤولية الاجتماعية وتعظيم الربحية.
حمى الله الحمى ومن فيه.