ترامب.. خواء ثقافي وعوز فكري
ليس هنالك اسوأ من ان يكون رئيس الدولة يعاني من ضحالة في المحتوى الثقافي والفكري ونقص في معادلة التوازن العقلي والوجداني. ان احدى اهم مشاكل الديمقراطية الغربية هي انها تتيح الفرصة لمن يملك المال ومستوى معين من الفهلوة والعلاقات ان يصل الى رئاسة امبراطورية عالمية تؤثر بصورة حاسمة في مصير وحياة كل شعوب الكوكب كما يحدث في امريكا عادة.
من يراقب بتمعن ما يجري في امريكا هذه الايام تختلط عليه الامور كثيرا ويترآى له انه يراقب احدى دويلات العالم الثالث التي يستبد في الحكم فيها طاغية غير متعلم ولا يمتلك الحد الادنى من مقومات ان يكون انسانا علاوة على ان يكون حاكما. وهذا يحدث في دولة بالغة القوة وتمتلك مؤسسات هائلة ودولة عميقة جبارة ونظام ديمقراطي تمكن من اجتياز مئات السنين من الاختبار والتجريب.
من المؤكد بالرغم من كل ما يفعله ترامب انه ذاهب الى زوال وان منافسه جو بايدن سينصب رئيسا في الموعد المحدد لذلك في العشرين من كانون ثاني القادم، وسيكون امامه ارثا صعبا من السياسات والقرارات الخطيرة على المستوى الداخلي والخارجي وسيقضي دورته الرئاسية الوحيدة بحكم السن في محاولات لتعديل وتصحيح ومحو ما احدثه ترامب من دمار وخراب.
لقد تمكن ترامب من تجريف عناصر الثقافة الوطنية الامريكية بصورة لا تصدق وحقق في ذلك نجاحا باهرا من الصعب تصوره، وقام بايقاظ وتفعيل عوامل العنصرية التي قضت امريكا عقودا طويلة للتخلص منها او التخفيف من آثارها وكل ذلك تم في اقل من اربع سنوات من حكمه وهي حالة تشير الى ضحالة الانجاز القومي الامريكي في محاربة العنصرية والتعصب للعرق في بلد اذا اردت سحقه وتدميره فعليك بايقاظ السلوك العنصري فيه.
هذا بعض مما احدثه على الصعيد الداخلي، اما على الصعيد الدولي فقد احدث ترامب خرابا واسعا في العديد من الجبهات يتطلب سعيا دوليا وعملا دؤوبا لسنوات طويلة لاصلاحه خاصة في المنطقة العربية. ففي هذه المنطقة المنكوبة استخدم ترامب تكتيكات القوة الغاشمة لتصفية القضية الفلسطينية من طرف واحد من خلال مشروعه المسمى اعلاميا بصفقة القرن. لقد قام بالتمهيد لهذه الصفقة من خلال بث الخوف والرعب لدى الكثير من النخب السياسية العربية وقام ايضا بالسيطرة على العديد من وسائل الاعلام ذات المتابعة الجماهيرية العالية في المنطقة للتمهيد لاعلان الصفقة من خلال نشر الشائعات والاخبار والتحليلات المتقنة الاخراج والهادفة لخلق عدو وهمي والمبالغة في خطورته على المنطقة تمهيدا للبدء التدريجي والمدروس علميا ونفسيا لنزع صفة العدو عن اسرائيل. رافق ذلك حملة واسعة النطاق وعالية التمويل ومتقنة الادوات لشيطنة الشعب الفلسطيني وقضية بلاده باستخدام ادوات عربية في هذه الحالة.
وبمجرد اعلان الصفقة تداعت الكثير من الانظمة العربية للتطبيع مع اسرائيل والبدء بنسج تحالفات عسكرية وامنية معها بحجة الوقوف بوجه العدو الجديد ايران. وكانت منهجية خبيثة اطاحت بالكثير من عناصر القوة العربية على محدوديتها، وزادت بصورة كبيرة من عناصر القوة عند اسرائيل.
ختاما، يبرز الان السؤال المهم جدا وهو: مع سقوط ترامب والوهن الواضح على القوة الامريكية في المنطقة وحول العالم، ماذا ستأتي به الاعوام القادمة في هذا السياق؟ الشئ الوحيد المؤكد ان سقوط ترامب سيشكل معلما بارزا وحاسما على الطريق باتجاه المستقبل.
أ.د احمد القطامين
qatamin8@hotmail.com