الطبّيلة

 
لا يَخفى على عاقلٍ مُتابعٍ للأخبار بصمت ومُتصفّح لردود الأفعال "بالأقوال طبعًا" هُنا وهُناك أنّ الحالة غير مُستقرّة بتاتًا، وكميّة التذبذب بالمبادىء والآراء مهولٌ جدًا. فالخلل يحمل في كبره الخطر الجسيم، وربما أشدّ فتكًا على البلاد من غيره بما يُشكّل أثرًا ونهجًا سلوكيًا مجتمعيًا غير ثابت.

الطبّيلة عددٌ كبير لا يُستهان به، يُحدّدون مسار الرأي العام بين الذم والتلميع وبين التشهير وإخماد الفتن. ولا نستطيع حصرهم ضمن مسمّيات أو آيديولوجيات محدّدة في وطننا كما يُطلق على البعض بالسحيجة أو المعارضة أو حتى الأغلبية الصامتة وحزب الكنبة أو الوصوليين والمتسلّقين.

الطبّيلة هم أنفسهم الذين أمطروا عريس إربد في بداية كورونا بوابل الشتائم ولم يرحموا زلّته، وهم أنفسهم الآن يعلمون عن أصدقائهم وأقاربهم من هو مصاب بكورونا ويرتعون ويلعبون دون التزام، فلا ينهونهم عن فعلهم وهم لمصيبتهم حافظون. وغير ذلك من الأمثلة لا يُحصى.
ذلك الجسم الهلامي الذي ينتقد كل شيء ويطبّل لكل شيء أخطر من الغوغائيين والسفسطائيين، فمنهم مثقفين ومتعلمين وجهلة. ويُعتبر ذلك الجسم وزنًا ثقيلًا يصعب تحديد عمره ومكانه أو شكله، ولا يوجد زاوية أو مكان للإمساك به لحمله أو قلبه. فيظهرون كشكلٍ من الطبقة المخمليّة الجريئة أو من المفكّرين وأصحاب اللغة الجزلة أو الفكاهيين الساخرين أو أبطال التواصل الاجتماعي. ويخالفوا أي رأي يواجههم أنّا كان، فيُطبّلون مُستغلّين حالة الضياع الفكري وفقدان القيم والمعايير في عصر الكلام والثرثرة. فهم أنفسهم من فضح ونشر قضايا بسيطة مثل "الضبع" و"بنشف وبموت" و"التركتر" و"التلعثم" ولو أخطأ عزيزٌ عليهم بأفضع من ذلك لبرّروا له فعله وصدّعوا رؤوسنا بأهازيجهم وطبلاتهم.

وأخيرًا وللمؤمنين بهذا المثل: "عشيرة ما فيها جُهّال ضاعت حقوقها".. اعتقد أنّ المثل مع التطوّر والتقدّم وحياة الميديا والواقع الافتراضي يستوجب تغيير كلمة جُهال بكلمة طبّيلة.