مزارعو الزيتون بين مطرقة كلف الانتاج وسندان الأسعار وضعف التسويق!
لم يحل ضجيج ماكنات عصر الزيتون ، دون وصول أصوات المزارعين، واحاديثهم إلى مسامعي، فقد كان صوتهم الغاضب أعلى واكثر وضوحا من هدير الآلات وصخبها، في تلك الليلة التي امضيتها في المعصرة بانتظار الدور، لعصر حصيلة الموسم من ثمار الزيتون، ولسان حالهم عبارة واحدة تتكرر "موسم مش جايب همه".
وبعيدا عن ضجيج الماكينات، وأصوات المزارعين الغاضبين، وفي هدأة الليل وسكون النفس والخلود للراحة بعد عناء ايام القطاف المرير والبرد القارص في المعصرة بانتظار غلة الموسم ، لم تفارقني تلك العبارة، وجافاني النوم فأخذت احسب كلف الإنتاج التي تحملتها، واقارنها بالمردود من الزيت وقيمته السعرية في السوق، فادركت حينها سر العبارة وتعبيرها الدقيق عن واقع حال صغار المزارعين من منتجي الزيتون.
ودفعني الفضول، للتعمق اكثر في الموضوع والبحث في جوانبه كافة، إذ لا يجوز أن تعمم الحالة الفردية، والانطباعات الذاتية، على قطاع انتاجي هام وكبير، دون الاستناد إلى مراجع ومصادر معنية مباشرة ومختصة في الشأن الزراعي المتصل بزراعة اشجار الزيتون والمطلة على واقع هذا القطاع وهمومه وشجونه والتحديات التي يواجهها.
وفي التفاصيل، تبلغ المساحات المزروعة بأشجار الزيتون في جميع مناطق المملكة حسب التعداد الزراعي الأخير الذي أجرته دائرة الاحصاءات العامة (560) ألف دونم، تضم ( 5ر10) مليون شجرة زيتون.
وحسب احصاءات وزارة الزراعة يساهم قطاع انتاج الزيتون بشكل فاعل في الناتج القومي الإجمالي بمبلغ يصل إلى نحو (135) مليون دينار، وتجاوز حجم الاستثمارات في هذا القطاع مليار دينار، ويشكل مصدر دخل لأكثر من (80) ألف أسرة أردنية.
ويقدر معدل إنتاج المملكة من ثمار الزيتون للسنوات الخمس الأخيرة بحوالي (150) ألف طن سنوياً، وتتوقع الجهات المعنية ان يصل إنتاج الموسم الحالي إلى نحو (180)الف طن منها (140) الف طن للعصر، وتتوقع الجمعية الاردنية لمنتجي ومصدري الزيتون (جوبيا) إنتاج (27) الف طن من زيت الزيتون لهذا الموسم ينتج في (132) معصره .
وياتي موسم إنتاج ثمار الزيتون لهذا الموسم في ظل جائحة كورونا التي ارخت بظلالها القاتمة على المزارعين والمعاصر جراء الحظر الجزئي والشامل يوم الجمعه وأربعة ايام بعد اعلان نتائج انتخابات مجلس النواب التاسع عشر، ما أثر سلبا على الموسم وفقا لمختصين في هذا القطاع.
ويواجه هذا القطاع تحديات جمة في مقدمتها ارتفاع كلف الإنتاج، ويشكو العديد من مزارعي الزيتون من تجبر العاملين في قطاف ثمار الزيتون الذين يفرضون شروطا قاسية في ظل انخفاض وتدني إنتاجية شجر الزيتون لهذا الموسم، فضلا عن الشروط غير العادلة التي تفرضها معاصر الزيتون بأقتصار الرد مقابل العصر على البدل النقدي ورفع قيمته من نصف دينار لكل كيلو زيت العام الماضي إلى (65) قرشا العام الحالي، ولا خيار لمنتجي الزيتون وخاصة صغار المنتجين الا القبول والاذعان، فأين يذهبون بمحصولهم؟.
وفي ظل فائض إنتاج العام الماضي من زيت الزيتون، والذي يتراوح ما بين (200-300)طن، والفائض المتوقع للعام الحالي، وارتفاع كلف إنتاجه، وضعف إقبال المواطنين على الشراء ولا سيما مع عدم الثقة التي تعززت مع الإعلان المستمر عن وجود زيت مغشوش، وعدم قدرة الزيت الأردني على المنافسه في السوق العالمي، فإننا اليوم إزاء مشهد يصيح فيه الجميع وينذمرون من رداءة الموسم وعدم جدواه من الناحية الاقتصادية والمردود المالي مقارنة مع ارتفاع كلف الإنتاج.
وترى مصادر مختصة ان تستقر اسعار تنكة الزيت (16) كيلو ما بين (70-80) دينار، وفي الواقع أخبرني العديد من صغار المزارعين انهم يجدون صعوبة بالغة في تصريف الزيت الفائض لديهم من العام الماضي والعام الحالي عند اسعار اقل بكثير من سعر الحد الأدنى المتوقع لهذا العام، وهم يولولون ويندبون حظهم!!.
وفي مسألة إنتاج ثمار الزيتون وزيته ، اشبه ما نكون كمن يقف على حد السيف، فإلى جانب من ننحاز، المزارع الصغير وهو يرى انخفاض سعر الزيت في ظل ارتفاع كلف إنتاجه وعدم رضاه، ام ننحاز إلى جانب المستهلك الذي يعاني الأمرين وهو يرى ارتفاع سعر الزيت لتدني الدخل وضعف القدرة الشرائية، أتساءل ننحاز لمن، وكلاهما ضحية انفلات السوق في غياب جهة تضبط ايقاعه؟!.
اعتقد ان على وزارة الزراعة التدخل المباشر من خلال دعم صغار المزارعين المنتجين لثمار الزيتون بخفض كلف الإنتاج ليكون سعر الزيت في متناول المستهلكين وغالبيتهم من ذوي الدخل المتدني يعيشون على خط الفقر او تحته في الحضيض، فضلا عن كبح جماح أصحاب المعاصر وضبط سعر "الرد" عند حد عادل ومنصف للجانبين، ولست بغافل بالتأكيد عن حقهم بالربح فهم في نهاية المطاف مستثمرون انفقوا مبالغ طائلة ووفروا للمزارعين فرص تحويل إنتاجهم إلى سلعة فيها قيمة مضافة.
وخلاصة القول ان قطاع إنتاج الزيتون على درجة كبيرة من الأهمية، يوفر سلعة استراتيجية قيمة للمستهلكين واكتفاءا ذاتيا من هذه المادة الغذائية الصحية بامتياز، ودخلا للمنتجين وللعاملين فيه، ويسهم برفد الاقتصاد الوطني، ولا بد من الحفاظ على هذا القطاع، بدعم جميع أطراف المعادلة للحيلولة دون انهياره، حتى لا تسقط آخر قلاع الزراعة في بلدنا، الذي يعتبر احد المواطن الطبيعية لزراعة الزيتون في منطقة الشرق الأوسط، ومن بين اكثر عشر دول في إنتاج ثمار الزيتون على المستوى العالمي.