أَبداً تَحنُّ إِلَيْك الأَرواحُ يا وَصْفِيْ

لقد نقش وصفي التل – رحمه الله - اسمه بحروف لن تمحى في ذاكرة الأردنيين ،عبر مسيرته الحافلة بالشجاعة والكرامة والانتماء والتضحيات ،كان - رحمه الله - رجل المهمات الصعبة والمواقف الجريئة ،لم يجامل على حساب الوطن ،ولم يَحِدْ قلبه عن بوصلة الأردن ، ظل الوطن هاجسه الدائم الدائب المتجدد ،يعشقه ويقدس ترابه.

لم يترجل عن صهوة جواده ،حتى جف الصهيل في رئة الخيول، فَمِنْ بيادرِ القمحِ وميجَنا الفلاحينَ ،خرج وصفي ،يُدرِكُ عذابَات الدَّرَّاســينَ إنْ هبَّ الهوا، ويعرفُ وجعَ الحصادينَ إنْ قَلَّ النَّدى ،ويفهمُ جيداً مواسمَ الوطنِ ؛فقد تلظَّى بحرِّ حزيران ،وذاقَ برد كانون ،حمل حب الوطن مذ كان جنينا في بطن أمه ،وحمِّل نفسه فوق ما تطيق.

فكل إنســان يُمــكِنُــه "نـقــشَ” اسمَــه فـــي المـكــانِ الــذي يــريــدُ ،إلا القلــوب ،فــإنـّها لا تقبــلُ النـقشَ فيـها إلا لِمَـنْ "نـبـضـت” لهـم حبــاً و احتــرامـــاً.

لقد استطاع وصفي نقش اسمه بحروف من نور، في سِفر الأغنية الأردنية المعاصرة ، ترنيمةٌ تحتضن ذكرى لوصفي ،رددها عبده موسى على وقع ربابته بعنوان "أقبل علينا الضحى يا زينة إقبالا "إنها توليفة عشق ورثاء ورجاء ومحبة ،قد يظنها القارئ محض كلام ،كباقي الأغاني ، ولكنها تختزل بين سطورها قصة وجع شعب لفقدان عزيز عليه ،لا أمل لهم في رجل مثله لأنهم لم يشعروا بقيمته إلا عندما افتقدوه.

الشعب يقاسي مرارة القيء والوحام ،تتقاذفه الأحزان والآلام ،لا يحسّ به أحد ،يعاني ما يعاني من آلام المخاض، حتى كره حياته، وكأن لسان حاله يقول: {يا لَيتَني مِت قَبلَ هَـذَا وَكُنتُ نَسياً منسِياً } [مريم23 ]

لقد اشتقنا إليك كثيرا ،فمقعدك الذي أخليته يا [وصفي] لم يستطع أحد أن يملأه كل هذه السنين الطوال ،ظل شاغرا قرابة النصف قرن .

لقد حاول كثير من الكبار الصغار ،أن يجلسوا عليه فلم يفلحوا ،ظل خاليا بانتظار الزعيم الذي يقبله الشعب طوعا ،ويملك صفات القيادة الفذة عن وعي والتزام ونزاهة وتفان ومصداقية وانشغال بالهم العام.

نعم لم يعد بالإمكان أن يترجل صهوة جوادك أحد ،قبل أن يجف الصهيل في رئة الخيول؟!