الاعتداء على الثروة الحرجية قطعا وحرقا.. الجريمة والعقاب
تشهد بداية فصل الشتاء اعتداءات على الثروة الحرجية تتمثل بتقطيع الأشجار لغايات التحطيب للاستخدام في التدفئة، وتتزايد هذه الظاهرة بشكل مضطرد، عاما بعد عام، بسب الظروف السائدة، وارتفاع كلف وسائل التدفئة الأكثر استخداما كالغاز والكاز، وعدم قدرة الغالبية العظمى من المواطنين على توفيرها، اتقاء لشر البرد الذي ينخر عظام أطفالهم، ولا سيما في المناطق الجبلية الاشد برودة،وهي الغنية بالأشجار الحرجية.
ودفعني للكتابة في هذا الشأن الهام، ما وصلني من صور حديثة ، التقطها احد اصدقائي في محافظة عجلون يوم الأربعاء الخامس والعشرين من الشهر الحالي ، وتظهر فيها أكوام صخرية ورملية تغلق عددا من الطرق الاسفلتية، منعا لوصول المعتدين إلى المناطق الحرجية والتحطيب فيها!.
استوقفتني الصور، وتأملتها مليا، وعدت إليها مرات ومرات، لاستوعب المشهد واهضمه، وحاولت ان اقنع نفسي بأن الأمر مقبول، على اعتبار أن الغاية تبرر الوسيلة، وما دامت الغاية نبيلة وهي حماية الثروة الحرجية من الاعتداء والتحطيب الجائر، فلا بأس من قطع الطريق على المعتدين بهذه الوسيلة !!.
وللحقيقة، اعترف بأني فشلت في اقناع نفسي، ولم تطاوعني هذه المرة بقبول التبرير، إذ هناك بالتأكيد وسائل عملية وعلمية مواكبة لروح العصر واكثر تحضرا، في حماية هذه الثروة من هذه الوسيلة البدائية، التي تشوه طرقنا في محافظة سياحية بامتياز، فضلا عن انها تدمر هذه الطرق وتعمل فيها تخريبا، في الوقت الذي كلفت مبالغ طائلة، لتخدم أهالي المنطقة وتمكنهم من الوصول الى منازلهم واراضيهم والعناية بها وخدمتها لتعطي منتوجا، يعينهم على توفير متطلبات العيش الكريم.
وهنا من حقنا السؤال عن دور مديريات الزراعة والحراج، في توفير الحماية لهذه الثروة الحرجية، وخاصة انها تضم طوافون تنحصر مهمتهم بالتجوال في المناطق الحرجية، ومنع الاعتداء الجائر على اشجارها واعمال فؤوس المعتدين وبلطاتهم فيها تقطيعا ، مخالفين بذلك الانظمة والقوانين المرعية .
وهناك من يرى أن هؤلاء الطوافون لا يمتلكون الامكانات والوسائل للعب دور الحماية، وإن كان هناك من يعتقد بأن بعض الطوافين يغضون الطرف عن المعتدين لأسباب لا أملك المعلومات والمعطيات الرسمية الموثقة لاشهارها والحديث عنها، وقد يؤكد هذا الاعتقاد او ينفيه الجهات الرسمية المعنية من واقع الظروف والملابسات التي تحيط بالمسألة من جوانبها كافة.
وفي ظل ضعف أداء الطوافين، وعدم قدرتهم لأسباب مختلفه على توفير الحماية وقطع دابر المعتدين والحد من ظاهرة الاعتداء المتفاقمة، بأعتراف الجهات الرسمية، يطرح متابعون في هذا الشأن بديلا مقنعا اكثر من أسلوب مديرية زراعة عجلون بقطع طرق الوصول إلى المناطق الحرجية، بإلقاء أكوام الاتربة والصخور!.
وينطوي الاقتراح على اسلوب حضاري مواكب لروح العصر، يحافظ على الطرق من الدمار، ويبقيها شريان حياة لوصول السكان إلى منازلهم والمزارعين إلى أراضيهم، دون عناء ومشقة، ويتمثل الاقتراح باستخدام كاميرات المراقبة بشكل دائم او اللجوء إلى طائرات المراقبة المسيرة إلكترونيا، وأعتقد أنه اقتراح يسهم في القضاء على هذه الظاهرة المقلقة والمؤرقة، أو على أقل تقدير الحد منها، فضلا عن توثيق ما تتعرض له الغابات من حرائق غير مقصودة او متعمدة بفعل فاعل.
ومن محافظة جرش، حيث المساحات الواسعة الغنية بالأشجار الحرجية، استكمل المشهد بصورة تظهر مزيدا من الحقائق والمعلومات ذات الصلة بالثروة الحرجية والاعتداء الأثم عليها تحطيبا وحرقا، وربما ينسحب المشهد هنا في هذه المحافظة على مجمل الصورة في محافظة عجلون، وكلا المحافظين هما الأغنى بالثروة الحرجية على مستوى المملكة.
وتشير مصادر الزراعة في محافظة جرش إلى ان غاباتها الأكثر تضررا بالحرائق ، وانها خلفت مئات الاطنان من الحطب الجاف الذي يباع للمواطنين بأسعار رمزية، ويوفر لمئات الأسر في جرش وسيلة رخيصة السعر نسبيا لينعموا بالدفء في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة السائدة، ويعتقد الكثيرون ان شراء الحطب من مصادر موثوقة ومرخصة يحد من الاعتداء على الثروة الحرجية سواء بحرقها أو قطعها.
إن حماية الثروة الحرجية من الاعتداء الجائر، حرقا او قطعا مطلب حق، لا يختلف عليه اثنان، لكن المطلوب ان تكون هذه الحماية وفق استراتيجية متكاملة على مستوى المملكة، تشارك فيها وزارة الزراعة واذرعها في المحافظات بالتعاون مع الجهات المعنية .
ولا بد من وضع خطط للحماية تستند إلى إجراءات مدروسة تنفذها الجهات المعنية بحزم وعقلانية، لا بعشوائية وأساليب بدائية لا تجدي نفعا لا بل انها تدمر اكثر مما تعمر، في زمن التقدم والتكنولوجيا والتقنيات المعاصرة الدقيقة المحايدة التي لا تجامل وتلتقط الصور، كما هي دون خوف او رتوش، وهي بذلك تشكل وسيلة ردع لمن تسول له نفسه الاعتداء، وتلتقط شباكها المعتدين وتسلمهم ليد العدالة لينالوا العقاب الذي يستحقون، ولا بد أن يكون مغلظا بحجم الجريمة.