مؤسسات صحية غير مهيأة: مشقة تعيق علاج ذوي الإعاقة
تقرير: فرح راضي الدرعاوي وسارة عز الدين.
رسم وإنفوغرافيك: بيان حبيب.
"احنا بنقدر نحمل، غيرنا ما بقدر"، يقول والد الطفلة رنا سعيد، ذات العشرة أعوام، وهو يلتقط أنفاسه عقب إنزال طفلته وكرسيّها المتحرك من الطابق الثاني حملاً على الأدراج في مركز جبل الحسين لتشخيص الإعاقات المبكرة في عمان، عقب إنهائه جولة طويلة من الإجراءات للحصول على تقرير التشخيص الخاص بطفلته.
رنا، التي تعاني من إعاقة حركية، يتردد بها والداها إلى المركز منذ أن بلغت العامين، في البداية، كان الذهاب إليه من أجل إجراءات التشخيص وتحديد المشاكل التي تعاني منها الطفلة والضرورات العلاجية لكل مرحلة، أما الآن، فهي تضطر أيضا للتردد إلى المركز في كل مرة تحتاج فيها تقريرا عن حالتها، سواء لوزارة الصحة أو التنمية الاجتماعية، وغيرها من الجهات الحكومية، كما يروي والد الطفلة، واصفا كل زيارة للمركز بأنها "معاناة"، لعدم ملاءمته لاستقبال ذوي الإعاقة، علما أنه مخصص لهذه الفئة، لكنه غير مهيأ لاستقبالهم، كما يقول.
يوثق هذا التقرير في جولات ميدانية شملت 8 مؤسسات صحية حكومية، ضمت مستشفيات ومراكز تشخيص إعاقات ومراكز صحية، المشقة التي يتكبدها ذوو الإعاقة، وأسرهم في تلك المؤسسات الصحية الحكومية، وتداعيات صعوبات الوصول إليها لطلب خدمات علاجية أو إدارية ضرورية، نتيجة افتقارها للترتيبات التيسيرية المعقولة، التي تمكنهم من الوصول إلى إحدى الخدمات.
وشملت الجولات مركز تشخيص ذوي الإعاقات المبكرة في جبل الحسين في عمان، ومركز حطين لتشخيص الإعاقات المبكرة في الرصيفة، ومستشفى الأمير حمزة، ومركز الطب الطبيعي والتأهيل وعيادة الأسنان المخصصة لذوي الإعاقة في مستشفى البشير، ومستشفى الزرقاء الحكومي، ومستشفى الأمير فيصل الحكومي في الرصيفة، بالإضافة إلى مركز صحي اللويبدة الشامل، والمركز الصحي الشامل في وادي الحجر في الزرقاء.
وتبين من خلال التقصي الميداني أن 4 مؤسسات فقط مجهزة بمنحدرات مخصصة للكراسي المتحركة عند مداخلها، و4 مؤسسات غير مجهزة بمصاعد، أما المؤسسات الأربعة الأخرى التي تشتمل مبانيها على مصاعد فهي غير مزودة بنظام صوتي ناطق لمساعدة المكفوفين، أو لغة بريل.
في حين كانت مؤسسة واحدة مزودة بدورات مياه للأشخاص من ذوي الإعاقة، بينما تشترك جميعها في عدم توفير الوصفات الطبية، والدلائل الإرشادية والفحوص المخبرية بلغة بريل.
ولم تكن أي من المؤسسات الصحية الثمانية مهيأة بشكل تام، بما فيها المراكز المخصصة لتشخيص الإعاقات، ما يدلل على ضعف الالتزام بكود البناء الخاص بالأشخاص ذوي الإعاقة، الصادر بموجب أحكام قانون البناء الوطني الأردني، ومعتمد من قبل المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. علما أن الأردن من الدول التي صادقت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادرة عام 2007، والتي تلزم الدول بتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بمـا فيها إمكانيـة الوصـول إلـى البيئـة الماديـة والاجتماعيــة والاقتــصادية والثقافيــة وخــدمات الــصحة والتعلــيم والإعلام والاتصال.
صعوبة الحركة
تتفاقم معاناة ذوي الإعاقة في الوصول إلى مراكز تشخيص الإعاقات المبكرة، التي تستقبل حالات الأطفال حتى سن 18، حيث يقوم فريق متخصص مكون من أخصائي أطفال، وأخصائي علاج سلوكي وفاحصي ذكاء بتقديم ما يلزم لكل حالة. ويرتاد هذه المراكز المتخصصة حالات الإعاقات العقلية بمستوياتها البسيطة، والمتوسطة والشديدة، والإعاقات الجسدية، والإعاقات الحركية، والشلل الدماغي، والمكفوفين وضعاف البصر، ومن لديهم بطء وصعوبات التعلم بالإضافة إلى إعاقات السمع والنطق.
ويعتبر مركز تشخيص الإعاقات المبكرة في جبل الحسين هو المركز الرئيسي التابع لوزارة الصحة في عمان، لكن مبناه القديم وغير المهيأ يتسبب بمتاعب كبيرة لمراجعيه الذين يضطرون إلى الصعود للطابق الثاني عبر درج طويل نظرا لعدم توفر المصاعد، وذلك من أجل الوصول إلى عيادات الأطباء والأخصائيين، واستكمال الإجراءات الإدارية اللازمة للحصول على التقرير، وما يترتب على ذلك من حركة مستمرة، ما يستدعي وجود أكثر من مُرافق مع ذوي الإعاقات الحركية تحديدا، للتمكن من رفعهم وإنزالهم.
أما الأشخاص من ذوي الإعاقة ممن بلغوا 18 عاماً، فيضطرون لزيارة اللجان الطبية المتخصصة الموزعة على مستشفيات وزارة الصحة، من أجل متابعة الحالة والحصول على تقرير التشخيص بشكل سنوي، ولا يختلف الحال في المستشفيات كثيراً، إذ أن الافتقار إلى بيئة مهيأة تمنع حركتهم الميسرة، وتحول دون استمراريتهم في العلاج أيضاً، كما هو الحال مع الأربعينية وجدان الطيب، التي تعاني من خلع الولادة، وتحتاج إلى المواظبة على جلسات العلاج الطبيعي، لذلك كانت تتردد على مركز الطب الطبيعي والتأهيل في مستشفى البشير، لكنها قررت التوقف عن عمل الجلسات اللازمة بسبب صعوبة الحركة والوصول إلى مقر المركز في مستشفى غير مهيأ، لا يراعي احتياجات ذوي الإعاقة، واصفة ذلك بالقول: "طلعة الدرج والمشي لمسافات طويلة والمعاناة لما بروح عالمستشفى بتضيّع كل الفايدة اللي باخدها من جلسات العلاج الطبيعي".
وقررت وجدان استكمال العلاج على نفقتها الخاصة، علما أن حالتها المادية صعبة، لكنها ستلجأ للجلسة التأهيلية عندما يتوفر معها السعر المطلوب، حيث تتراوح أسعار الجلسات بين 15-45 دينارا، حسب مدة الجلسة وطبيعة الحالة. مشيرة إلى أنها ترددت بحكم حالتها إلى العديد من المراكز الصحية والمستشفيات ومراكز تشخيص الإعاقات المبكرة منها مركز جبل الحسين ومركز صحي اللويبدة، إما للفحص الطبي أو تلقي العلاج الطبيعي والوظيفي، لكنها غير مهيأة جميعها لاستقبال الأشخاص من ذوي الإعاقة ولا تراعي صعوبة الحركة لديهم، وتفتقر لمواقف مخصصة لسياراتهم، كما أن مبانيها قديمة و بلا مصاعد، عدا عن ازدحام المنطقة وشوارعها الضيقة.
وتبين وجدان أن الإجراءات والمعاملات الورقية في المراكز والمستشفيات كثيرة، ولا يعطى المراجعون من ذوي الإعاقة اعتبارات خاصة مراعاة لحالتهم.
التوقف عن العلاج
"انشري قصتي وقصص كل المعاقين، مش بس عشان بنتي عشان الكل، لأنه الكل بعاني"، تقول والدة بيان سالم الطيب، ذات الخمسة عشر عاماً، والتي لا تختلف معاناتها كثيراً عن وجدان، منذ أن أصيبت برصاصة طائشة تسببت لها بشلل دماغي حين كان عمرها 10 أشهر. منذ ذلك الوقت، ووالداها ينتقلان بها من عيادة إلى أخرى، ومن مستشفى إلى آخر لمتابعة حالتها ومعالجتها.
تقول والدة بيان أنها تقوم بحملها عندما تتوجه بها إلى أي من المؤسسات الصحية، ما تسبب بانزلاق غضروفي في ظهرها، وآلام في رقبتها، حتى فقدت القدرة على حمل ابنتها وإيصالها إلى أماكن العلاج المتخصصة، وتروي عن معاناتها قائلة: "فقدت الأمل، من سنين وأنا أعالج بيان وأحملها في المواصلات العامة وعلى الأدراج، وبعمل إجراءات كثيرة في المستشفيات والمراكز، ولازم نعمل الفحص الطبي كل 6 شهور وبيان لازم تكون موجودة ونستنى ساعات واحنا ننتقل من مكتب لمكتب، وساعات كمان لناخد العلاج، وفوق كل هذا، بنضطر نروح لمراكز خاصة لإنه ما في قسم مخصص للشلل الدماغي في المستشفيات الحكومية".
الآن، وقد كبرت بيان، لا يستطيع الوالدان حملها وإخراجها من المنزل حتى للضرورات الصحية، رغم حاجتها الملحة إلى جلسات العلاج الطبيعي لما تعانيه من تشنجات وتيبّس في أطرافها، ما دفع الأم إلى مساعدة طفلتها في المنزل بإجراء بعض حركات العلاج الطبيعي التي تعلمتها من المعالجين أثناء مرافقتها لها، لتخفيف آلامها حتى يتمكنوا من إيجاد معالج يتبرع بجلسات لطفلتها أو يقبل بمبلغ رمزي.
لم تشتك والدة بيان الى أي جهة رغم الصعوبات التي واجهتها من معاملة الكادر الطبي، إلى صعوبة الحصول على كرسي متحرك والحصول على إعفاء طبي، وحتى مساعدات التنمية الاجتماعية لتغطي لوازم الطفلة من أدوية أو فوط صحية وفراش طبي، مؤكدة أن لا اهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة، حتى في المراكز المخصصة لهم يتلقون أسوأ رعاية، في حين أن دولاً أخرى تقوم بتأمين العلاج والاحتياجات لهذه الفئة مجاناً، على حدّ قولها.
واستقبل المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة 375 شكوى خلال عام 2019 من ذوي الإعاقة، 13 شكوى منها تتعلق بإمكانية الوصول، و5 شكاوى تتعلق بالخدمات الصحية، و18 تظلما، وفقا للتقرير السنوي لعام 2019 الصادر عن المجلس.
ومن جهته، يقول رأفت الزيتاوي، مدير مديرية الوصول والتصميم الشامل في المجلس الأعلى، إن غالبية مباني المستشفيات والمراكز الصحية قائمة من قبل إصدار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة 2017، وهي غير مهيأة، وأي شكل من أشكال التهيئة الموجودة هي من باب توفير الخدمات اللوجستية مثل المنحدرات والمصاعد العادية في المستشفيات، لكنها ليست مطابقة لمعايير البناء الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة أو خدمتهم.
ويضيف الزيتاوي أن وزارة الصحة تواجه مشكلة في إيجاد حلول لتهيئة المباني القائمة والقديمة، مؤكداً أن عليها إيجاد بديل حتى لا تستمر معاناة ذوي الإعاقة، دائمي التردد إلى المؤسسات الصحية، للحيلولة دون أن يصل بهم الحال إلى ترك علاجهم بسبب البيئة غير المهيأة، والمرافق الصحية غير الملائمة، وخاصة مع وجود إجراءات طويلة يحتاج الشخص نفسه، أو مرافقوه إن كان قاصراً، إلى إنجازها.
دورات مياه غير مهيأة
بحسب دليل المستشفيات الصادر عن المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن دورات المياه المهيأة، هي تلك التي تتسع لدخول الكرسي المتحرك، ودورانه داخلها دون ارتطامه بشيء، أما المغسلة فتكون فيه منخفضة بمستوى الكرسي المتحرك، ومزودة بمقبضين معدنيين، وكذلك الحال بالنسبة لقاعدة المرحاض حتى يسهل انتقال الشخص من الكرسي المتحرك إليه.
ولم تتوفر هذه الاشتراطات إلا في مؤسسة صحية واحدة شملتها الجولات الميدانية التي أجرتها معدة التقرير، بينما يصف المراجعون الذين يوثق التقرير تجاربهم حالة المرافق الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية التي يترددون عليها بالـ"كارثية"، فمشاكلها لا تتمثل بعدم تهيئتها فحسب، بل بقدمها أيضاً وحاجتها للصيانة.
مصدر من وزارة الصحة رفض الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالتصريح، يعزو عدم قدرة الوزارة على تهيئة مباني المؤسسات الصحية وخاصة القديمة، لوجود العديد من المباني المستأجرة، علماً أن قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017، يقضي في المادة 23 (الفقرة ج)، بتصويب أوضاع المستشفيات والمراكز الطبية التي تم إنشاؤها وترخيصها قبل العمل بهذا القانون، خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ نفاذه، وفقاً للإجراءات التي يحددها وزير الصحة.
الافتقار للخطط والتمويل
من أجل تطبيق كود البناء الخاص بذوي الإعاقة والوصول إلى بيئة مهيأة، أطلق المجلس في مارس/آذار عام 2019، الخطة الوطنية لتصويب أوضاع المباني القائمة والمرافق العامة 2019-2029، والتي تشتمل على حلول وبدائل للمباني والمرافق العامة القائمة، وركزت على متطلبات إمكانية الوصول في المباني العامة الحكومية وغير الحكومية التي تقدم خدمات للجمهور، وتهدف إلى تهيئة ما نسبته 60% من المباني القائمة حتى حلول عام 2029، ومن ضمنها مباني المؤسسات الصحية التابعة لوزارة الصحة ومرافقها خلال مدة لا تتجاوز 4 سنوات. بحسب ما جاء في نص الخطة المنشورة على الموقع الإلكتروني للمجلس.
لكن الزيتاوي يقول إن وزارة الصحة ماضية بتصويب أوضاع مباني المؤسسات الصحية التابعة لها، لكن ببطء، ولا ترصد المبالغ الكافية للخطط المتعلقة بتهيئة المباني. مؤكداً على ما جاء في الخطة، بأنه يتوجب على وزارة الصحة تهيئة مباني المراكز الصحية والمستشفيات، بمعدل مستشفى حكومي واحد و3 مستشفيات خاصة على الأقل كل سنتين في كل محافظة، وبمعدل مركزين صحيين سنوياً على الأقل في كل محافظة.
وبالعودة إلى موازنة وزارة الصحة لعامي 2019 و2020، لم يرد تخصيص ميزانيات لأي مشاريع موجهة لذوي الإعاقة، ويتضح رصد موازنات لصيانة وتجهيز مشاف ومراكز صحية دون معرفة تفاصيل ما تشمله عمليات الصيانة.
ويتطابق ذلك مع ما نشرته منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها الصادر في 23 ديسمبر/كانون الأول عام 2019، بعنوان "تمويل حقوق الإعاقة في الأردن غير كاف"، ويؤكد التقرير أن وزارة الصحة تضمن التشخيص المبكر للإعاقة في إطار برنامج الرعاية الصحية/ الخدمات والمراكز الصحية. مع ذلك، ليس من الواضح إن كانت الوزارة تخصص تمويلا لتوفير السكن وتسهيلات الوصول لضمان وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى المستشفيات والمراكز الطبية الأخرى.
ولم تستجب وزارة الصحة لطلب مُعدّتي التقرير لمعرفة خطط الوزارة لتهيئة مباني المراكز والمستشفيات القائمة والجديدة، وتزويدهما بإحصائية تبين عدد المؤسسات الصحية التي أصبحت مهيأة وتلك غير المهيأة.
كوادر غير مؤهلة
يعد تأهيل وتدريب الكوادر الطبية والفنية والإدارية العاملة في المستشفيات والمراكز الطبية من ضرورات تحقيق بيئة مهيأة لذوي الإعاقة، وقد نص القانون في المادة 23 (الفقرة د)، على تأهيلهم بالتنسيق مع المجلس على طرق ووسائل التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، بما يضمن إعلامهم وتعبيرهم عن موافقتهم الحرة المستنيرة على الأعمال الطبية التي تجرى لهم، وتحقيق وصولهم إلى الخدمات والبرامج الصحية. كما جاء في دليل المستشفيات الصادر عن المجلس أن تزود المؤسسة بموظف مدرب على "إتيكيت" التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة ويجيد أساسيات التواصل بلغة الإشارة أو عبر التاب (الأجهزة اللوحية).
لكن الأشخاص السبع الذي قابلتهم معدة التقرير يجمعون على أن الكوادر في المشافي والمراكز الطبية لا يجيدون التعامل مع ذوي الإعاقة، كما يقول الثلاثيني عبد الرحمن سلامة، "أسوأ شي بعانوا منه أصحاب الإعاقات إن الدكتور ولا الموظف ما بتوجه إلهم بالكلام، أو السؤال، وبوجهه للمرافق"، معتبرا أن في ذلك "تهميش لكيان الشخص".
ويوضح سلامة أن أقسام الاستقبال في المؤسسات الصحية المختلفة تفتقر لأشخاص يتحدثون لغة الإشارة، وبحسب الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، زياد المغربي، فإن 76 مترجما للغة الإشارة لديهم رخصة مزاولة المهنة من المجلس، لكن الموجودين في الأردن فقط 53 مترجما، ويعزو المغربي هذا الانخفاض إلى اتجاههم للعمل في الخارج، ما ولد نقصا داخل البلاد.
ويضيف سلامة أن موظفي المستشفيات والمراكز ليس لديهم مهارات للتعامل مع الشخص ذي الإعاقة، كما أن قاعات الاستقبال نفسها غير مهيأة لهم، قائلاً: "أنا مثلا ما بشوف الشخص اللي ورا الشباك في الاستقبال". مشيراً في ضوء تجاربه السابقة إلى أن "المجلس، ما بعمل شي ولا إجراءات، بنضطر نقدم الشكاوى بنفسنا لأمانة عمان ووزارة الأشغال وغيرها".
ويعتبر الدكتور محمد الحياصات، الناشط للمطالبة بحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة، أن دور المجلس لا يجب أن ينحصر في إصدار التشريعات ووضع التعليمات للوزارات والجهات الأخرى التي لا تمتلك أي كفاءات أو متخصصين لتهيئة المباني، أما الشكاوى التي يستمع إليها من ذوي الإعاقة بشأن المؤسسات الصحية فتتعلق بغياب كامل للتجهيزات وعدم تهيئتها، حتى أن الصم لا يستطيعون توضيح ألمهم للأطباء بسبب عدم وجود مترجم للغة الإشارة.
كيف يطبق القانون؟
يقدم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدعم الفني لوزارة الصحة والقطاع الخاص من أجل تحقيق الهدف بتهيئة المباني، وفقاً للزيتاوي، مشيراً إلى أن المجلس يوفد مهندسين في زيارات ميدانية للمباني قيد الإنشاء، لتقديم المشورة بالمعايير المطلوبة، كما يتم متابعة التنفيذ وتقييم مدى الإنجاز عبر التقارير التي يرفعونها للمجلس. وذلك تطبيقاً للمادة 23 من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي توجب "على وزارة الصحة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء والجهات ذات العلاقة كل حسب اختصاصه وبالتنسيق مع المجلس...تضمين متطلبات وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للخدمات والبرامج الصحية والمعلومات الدوائية والغذائية في السياسات والاستراتيجيات والخطط والبرامج ذات الصلة".
وفي إطار السعي لتأمين بيئة ملائمة للأشخاص من ذوي الإعاقة، الذين بلغت نسبتهم من إجمالي عدد السكان 11.2%، غير شاملة من هم دون سن الخامسة، بحسب التعداد السكاني لعام 2015، فإن بعض المستشفيات باتت توفر مواقف سيارات ومنحدرات، بحسب الزيتاوي، لكن هناك الكثير من المتطلبات غير المتوفرة حتى الآن، مثل قاعات وركن الاستقبال، ودورات المياه، والمصاعد التي حتى إن تواجدت فهي غير مهيأة بشكل كاف، ولا تحتوي نظاماً صوتياً ناطقاً وأزرار بريل للأشخاص المكفوفين، بالإضافة إلى عدم اتساعها لحركة الكرسي المتحرك.
ويضيف أن بعض المستشفيات تستجيب لملاحظات المجلس مثل مستشفى البشير الذي وفر مواقف خاصة، لكنها ما زالت غير كافية، فالمتطلبات التي تحتاجها المستشفيات لاعتبارها بيئة مهيأة تحتاج إلى ميزانية وتخطيط مسبق.
أما الرقابة على مدى الالتزام بتطبيق القانون ومعايير البناء الخاصة بذوي الإعاقة، تتم من خلال المتابعة مع وزارة الصحة بالنسبة للمباني القائمة، وذلك عبر اطلاع المجلس على الخطط والمشاريع التي تعدها الوزارة سنوياً لإيجاد حلول، أما المؤسسات الصحية الجديدة فهي لا تحصل على ترخيص إلا إذا كانت مطابقة لكود البناء الخاص بذوي الإعاقة. وفق الزيتاوي الذي يؤكد أن المجلس توجه بكتاب لوزارة الصحة للاطلاع على المشاريع التي ستعدها الوزارة لهذه الفئة، ليقوم المجلس بالتواصل مع الجهات المانحة ورصد ما تحتاج لتحقيق الهدف بالوصول إلى بيئة مهيأة قبل مضي 5 سنوات.
وإلى حين اتخاذ الجهات المعنية الإجراءات التي تسهل على ذوي الإعاقة الوصول إلى علاجهم، يضطر العديد منهم إلى إيقاف العلاج والتزام البيت مثل الخمسيني إيهاب هديب، ذو الإعاقة الحركية، حيث توقف عن تلقي العلاج منذ سنة ونصف، بعد أن يئس من العلاج لدى مراكز التأهيل والتشخيص التي تطالبه بإجراءات عديدة تنهك جسده. كما يقول، "بمركز التشخيص مية توقيع وتوقيع عبين ما يطلع تقرير إني معاق أو مش معاق، كتير بغلبوا، تركت كل شي، وحاليا ما بتعالج، من سنة ونص ما رحت ولا جيت".
** التقرير بدعم من منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان