الشراكة مع القطاع الخاص لتطوير الجامعات

أعتقد أن شراكات حقيقية مع القطاع الخاص ممكن أن تكون أهم الاستراتيجيات المطروحة لإيجاد حلول ناجحه لتطوير التعليم العالي. إن تطوير وتفعيل شراكات حقيقه وواقعية مع القطاع الخاص من أجل تطوير الإقتصاد الوطني تٌمثل أحد ركائز الرؤى الملكية السامية لتطوير الأردن والتي يُمكن أن تُشكّل إضافة نوعية للتعليم العالي. ما أقصده في هذا المضمار أن وجود شراكات حقيقية مع القطاع الخاص لتطوير الجامعات لا يعني خصصة الجامعات بالمُطلق. ان الغالبية العظمى من الجامعات الرسمية تعاني من مشكلات مالية وإدارية وأكاديمية وبيروقراطية تحدّ من قدرتها على التطور بمتوالية هندسية بدلاً من تلك العادية. فعلى الرغم من ان البعض قد يعتقد بأن الشراكات مع القطاع الخاص لتطوير التعليم العالي عملية معقدة وقد تكون غير قابلة للتطبييق الا انني ارى، بعد تجربة شخصية لمدة عشر سنوات، بأن هذا النوع من الشراكات يمكن أن ينجح بسهولة اذا ما توفرت النوايا الحقيقية الصادقة لتطوير التعليم العالي. ان نجاح هذا النوع من الشراكات يعتمد بالدرجة الاولى على اتخاذ قرار استراتيجي على مستوى الحكومة بالرغبة في بناء جسورشراكة حقيقية مع القطاع الخاص بعيداً عن لعبة المصالح التي قد تكون العائق الأبرز. لذلك، فنجاح الشراكات مع القطاع الخاص يعتمد على ركزتين اساسيتين: الأولى، اجراء تعديلات جوهرية وهيكلية على الانظمة والقوانين الناظمة لعمل قطاع التعليم العالي، وثانياً، وضع هيكل حاكمية مؤسسية عصري يٌنظم العلاقة مع القطاع الخاص من حيث الشؤون الاكاديمية والادارية والمالية والرقابية وتحديد أطر واضحة لآليات واساليب العمل القادرة على تحقيق المستويات المطلوبة من الانتاجية والفعالية في ادارة الموارد المتاحة.

إستناداً الى الرؤيا الاستراتيجية للشراكات مع القطاع الخاص، اقترح الإستراتيجية التالية:

أولاً: وفقاً للرؤى الملكية السامية وإستراتيجية تطوير الموارد البشرية يمكن العمل على تعديل الانظمة والقوانين الناظمة لعمل قطاع التعليم العالي وفقاً لرؤية عصرية استراتيجية هدفها التطوير والتحسين لمستقبل افضل وبما يحاكي الجامعات العالمية.

ثانياً: تأسيس هيكل حاكمية مؤسسية رصين ينظم العلاقات التكاملية والتشاركية بين القطاع العام والقطاع الخاص فيما يتعلق بالشراكة مع الجامعات بحيث يتم التطرق لكافة الجوانب المتعلقة بالعملية الجامعية اكاديمياً وادراياً ومالياً ورقابياً وتكنولوجياً لتأسيس شراكات حقيقية بين الطرفين.

ثالثاً: أن يكون لكل جامعة لها شراكة مع القطاع الخاص رئيس يتم تعيينه بالتشاور مع القطاع الخاص على أساس المؤهل والسمعة الأكاديمية ووجود سمات قيادية أكاديمية وتراكم للإنجازات الموثقة ويكون نطاق صلاحياته الجوانب الأكاديمية في الجامعة فقط ويتم تقييم الأداء له بناءً على اسس ومعايير أكاديمية واضحة ومحاسبته على اساسها أيضاً في حالة التقصير.

رابعاً: ان يكون لكل جامعة مدير تنفيذي (Chief Executive Officer-CEO) يأتي من رحم القطاع الخاص، وليس شرطاً ان يكون من حملة درجة الدكتوارة، بحيث يتولى كافة المهام والمسؤوليات الإدارية والمالية والرقابية والتنسيقية مع كافة الجهات ذات العلاقة في الحكومة شريطة ان يكون المدير التنفيذي مُتفهم بالكامل للعملية الأكاديمية وتفصيلاتها ومبرراتها.

خامساً: ان يكون هناك مدير تنفيذي للتعليم الالكتروني (Digital Chief Executive Officer-DCEO) تكون مهمته الاساسية وضع استراتيجية التعليم الرقمي وربطها باستراتيجية الجامعة لتكون نواة لتطوير جامعات ذكية قادرة على استيعاب التطورات المستقبلية في قطاع التعليم العالي.

سادساً: من منظور إستراتيجي، أي شراكة يجب أن تأخذ بنظر الإعتبار مصالح وإهتمامات الأطراف الرئيسية (Key Stakeholders) من القطاعين العام والخاص من خلال أسس حاكمية مؤسسية يتم الاتفاق على بنودها وتفاصيلها من قبل مٌختصين. يجب أن يكون جوهر هذه الحاكمية العمل على وضع إطار عملي للشراكات للحفاظ على حقوق وامتيازات اصحاب المصالح الرئيسية على اسس موضوعية نظراً لارتباطهم بقطاعات حيوية في الدولة وبنفس الوقت قد تكون هذه الحقوق والامتيازات ضمن إطار المسؤولية الإجتماعية للقطاع الخاص. فمثلاً، من أهم اصحاب المصالح الواجب الاهتمام بهم أبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، أبناء المعلمين، أبناء العاملين في الجامعات وغيرهم من الذين لديهم مكتسبات في جامعات القطاع العام حالياً.

سابعاً: وضع اطار متكامل لأسس ومعايير الكفاءة والإنتاجية بحيث يتم العمل على تقييم اداء كل من يعمل في الجامعة بناءً على معايير القدرة والكفاءة وليس الواسطة والمحسوبية او تجاذب التيارات المتناقضة التي نعيشها اليوم.

ثامناً: وضع معايير واضحة وهرمية لأغراض تقييم الاداء والمحاسبة والمسؤولية للإدارة العليا التي تقود الجامعة بحيث يتم مكافأة اصحاب الانجازات ومحاسبة اصحاب الاخفاقات او من ينغمس في الفساد سواء أكان أكاديمياً أو إدارياً أو مالياً. اعتقد ان الشراكة مع القطاع الخاص أقدر بشكل كبير على تحقيق معدلات الانتاجية المرغوبة والتطوير والتحسين وتجاوز العديد من العقبات البيروقراطية التي تعاني منها العديد من الموسسات في قطاع التعليم العالي. كذلك فإن القطاع الخاص قادر عل بلوغ الاهداف مع الاخذ بعين الإعتبار عالم الأكاديميا.

تاسعاً: تأكيد الجودة والحصول على الاعتمادات الوطنية والدولية، يجب ان يكون ركن اساسي للشراكة مع القطاع الخاص الحصول على الاعتماد الوطني والدولي لكل تخصص جامعي مطروح حتى يكون هناك منافسة حقيقية في سوق العمل واللحاق بركب الجامعات العالمية والمنافسة على مستوى اقليمي ودولي.

من النتائج المتوقعه لهذه الشراكات تفعيل أسس ومعايير المحاسبة والمسؤولية للجامعة وتطوير إسترايجيات فعالة للتعليم الرقمي وتحفيز المنافسة الايجابية بين الجامعات والاستثمار في البنية التحتية لها وتأسيس أنظمة أكاديمية فعّالة لتكون الجامعات موجهة بالكامل نحو سوق العمل (Labour Market-Oriented Universities) من النواحي الاكاديمية والادارية والبحثية والتطبيقية والاستجابة لمتطلبات العصر بطريقة إستراتيجية مدروسة (Well-Deliberated) بدلاً من الاستجابات السلحفائية التي نشهدها حالياً في بعض مؤسسات التعليم العالي.

قد يجادل البعض، وهذا حقهم، ان الشراكات مع القطاع الخاص لها العديد من السلبيات ومنها ان القطاع الخاص يركز على جانب الربحية على حساب الجودة والحاكمية المؤسسية. حقيقة الامر قد يكون ذلك منطقياً من حيث التفكير ولكن لدي تجربة حول الشراكات مع القطاع الخاص حيث شكّلت إنموذجاً مُميزاً في الأردن يمكن البناء عليه. حيث كان هناك شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص في حقل التعليم العالي واستمرت لمدة عِقد من الزمان حيث كانت شراكة ناجحة جداً وانتجت أنموذجاً مميزاً في قطاع التعليم الجامعي. لكن، مع الاسف، تم الإجهاز على هذه الشراكة لاسباب بيروقراطية ومصالح شخصية وعدم الرغبة في الخروج من مربع التقليدية الى مربع التطوير على حساب الطالب والعملية التعليمية والوطن كونه تم القضاء على أنموذجاً يمكن البناء عليه في الأردن والمنطقة!

من سيعلّق الجرس للبدء بشراكات حقيقية مدروسة مع القطاع الخاص لتطوير التعليم العالي؟

والله وليّ التوفيق والفلاح.


** ملاحظة: هذا المقال يعبّر عن وجهة نظر الكاتب الشخصية فقط.