بنوك وشركات تتوحش في زمن كورونا.. أين الحكومة؟


منذ دخلت البلاد في مواجهة مفتوحة مع جائحة كورونا، والطبقتان الفقيرة والمتوسطة، تسددان فاتورة التداعيات الإقتصادية التي خلّفها الفيروس على مختلف جوانب حياتهم، فيما ظلت الطبقة المخملية بواجهاتها المالية المتخمة، في منأى عن الإسهام أو المشاركة بالتخفيف من وقع الوباء الذي أدخل الدولة في تحديات إقتصادية إضافية غير مسبوقة.

شركات الإتصالات مثلاً، التي تجني أرباحاً طائلة من جيوب المواطنين لسنوات طويلة، لم نشهد منها مبادرات بتخفيض كلف الإتصال واشتراكات الإنترنت، رغم اضطرار الدولة لتعليم الطلبة عن بعد، عبر الاتصال وحزم الانترنت التي لا تستطيع آلاف العوائل الفقيرة اضافة كلفها على فواتير معيشتهم الضنكة التي وصلت حد الكفاف.

ذات الشركات، أبقت أسعار فواتير الإتصال والإنترنت كما كانت قبيل حقبة كورونا، وكأنها تعيش في واد وهموم الناس في واد آخر، بل ثمة شكاوى عديدة من المواطنين بأن حزم الإنترنت التي يشترونها، لا تعادل حجمها المعلن، وتستنفد بشكل أسرع، في وقت كان يحتم على تلك الشركات تقديم عروض مخفضة تسهم بتخفيف العبء عن أسر الطلبة، بدلاً من زيادة الضغط على الناس الذين أفقدهم الفقر صوابهم.

مصانع الأدوية هي الأخرى تعيش في عالم منفصل عن واقع مجتمعات بلادها، فرغم ارتفاع الطلب على صنوف بعينها من الأدوية والفيتامينات التي تسهم بعلاج الأمراض الموسمية المصاحبة لفصل الشتاء، وتقوي جهاز المناعة، وتسهم بالحد من تأثير كورونا، الا أن أسعار بعضها قد ارتفع بدلاً من انخفاضه، مع غياب الضغط الحكومي الصارم على هذه المصانع والشركات وإلزامها بتخفيض أسعار منتجاتها.

على العكس من ذلك، فقد وجدت مصانع أخرى في موسم كورونا وسيلة لتسمين أرصدتها، وبدأت بتصنيع الكمامات والمواد المعقمة، وبيعها باسعار مرتفعة لا يستطيع المواطن الذي لم يعد يميز رأسه من قدميه جراء تهافت الإلتزامات وشح الموارد على شرائها، فاكتفى بشراء الكمامات التي تستخدم لمرة أو مرتين، ويواصل استهلاكها وشراءها.

مصانع وشركات مستوردة، استغلت حاجة الناس، وقانون الدفاع، والتعليمات الصحية بفرض ارتداء الكمامات، واستغلت حتى الفيروس نفسه، وأوغلت في تشليح المواطنين في ظرف يتطلب منها الحس بالمسؤولية الوطنية تقديم الواجب والممكن في هذا الظرف الصعب، على منافعها القميئة الخاصة.

القطاع الطبي الخاص سقط القناع عن وجهه أيضاً، واستغلت بعض المستشفيات امتلاء أسرّة المستشفيات الحكومية بالمرضى والمصابين بالفيروس، وتقاضت مبالغ فلكية ممن لجأوا اليها من المرضى ومصابي كورونا.

منشآت اقتصادية ذات ملاءات مالية ضخمة، اشترت هي الأخرى أسهماً في بورصة كورونا، وعرّضت عامليها لانتهاكات جسيمة، فمنها من تمنع عن تسليم رواتبهم، وأخرى اقتطعت منها، وثالثة وجدت رياح الفيروس مواتية للتخلص من عمال بنوا صروحها واتخموا كروش مالكيها وأرصدتهم، وسرحتهم وهم في عز الضيق والحاجة.

حتى الأسماك الإقتصادية الصغيرة التي تسبح مع تيار كورونا، آجَرت هي الأخرى في قضم ما تيسر لها من الكعكة.. من تجار خضروات رفعوا أسعارهم كيفما يحلو لهم، لمتاجر مواد غذائية تفاوتت اسعار سلعها بين الواحد والآخر، لشركات تسويق "اون لاين" لا مقرات لها سوى صفحات العالم الافتراضي، تبيع منتجات بمواصفات رديئة، وتنتشر كالنار في الهشيم بلا رقابة، لمدارس خاصة تقاضت رسوم العام الدراسي ولا يؤمها طلبة، وتقدم تعليمها عند بعد تماماً كالمدارس الحكومية المجانية، لعشرات القطاعات التي لا يستوعب المقال حصرها، سقطت جميعها في هذا الامتحان الوطني الكبير إلا من رحم ربي.

القطاع المصرفي الذي توقع منه البعض تقديم مبادرات تشد عضد الدولة في هذه المرحلة العصيبة، وانشاء صناديق مالية تدعم المجتمعات المحلية، لم يتقدم بخطوة، بل ضرب عرض الحائط بتعليمات البنك المركزي التي جاءت على استحياء بتأجيل أقساط قروض المتضررين، ولم تأبه تلك البنوك التي تمثل واجهة لطبقة الكريما التي حلبت على مدار عقود جيوب المواطنين بقروضها الربوية وفوائدها المرتفعة، لا للبنك المركزي، ولا للحكومة التي يبدو أنها لا تراها بعينها.

اللوبيات المالية ذاتها، ترى نفسها فوق التعليمات، وفوق الحكومة، وقانون الدفاع، ورفض بعضها تمويل شركات ومؤسسات تقدمت للاستفادة من برنامج البنك المركزي لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لمواجهة أزمة كورونا المدعوم بفائدة مخفضة، ووقفت عائقاً صلباً في وجه إنعاشها وديمومتها، وأعاقت استثمارات تبحث عن طوق نجاة وسط أمواج كورونا العاتية.

الرهان الكبير اليوم، معقودة نواصيه في حزم الحكومة، باتخاذ قرارات جريئة تخضع القطاعات المصرفية والمؤسسات والشركات الحيوية الكبرى التي تقدم خدمات ومنتجات تمس عصب حياة الناس، تحت أوامر قانون الدفاع، وتلزمها عنوة باتخاذ مواقف وطنية تتواءم مع التحديات الجسام التي تمر بها الدولة، وعدم السماح لها بجني ثمار البلاد في زمن الرخاء، والتخلي عنه في زمن الجائحة!