الفقراء يموتون على أبواب المستشفيات.. أين تذهب إعفاءات الديوان الملكي؟
تامر خرمه_ من محافظة إربد شمال البلاد إلى الديوان الملكي في العاصمة عمّان.. مضى المواطن عصام أبو الرب في رحلة البحث عن أمل، سيرا على الأقدام، لإنقاذ حياة طفلته حبيبة، البالغة من العمر ثلاث سنوات، والتي تعاني مرضا نادرا يستوجب علاجها خارج المملكة.
ترى، ما الذي يجعل مواطنا يضطرّ إلى المشي كلّ هذه المسافة، حاملا طفلته على ذراعيه، لتسليط الضوء على قضيّة تتعلّق بأبسط حقوق الإنسان في الحياة وتلقّي العلاج؟
أليس من حقّ كلّ مواطن على دولته أن تؤمّن له العلاج المناسب عندما يحتاجه؟ أوليس من حقّ الفقراء أن يحصلوا على إعفاءات طبيّة في مستشفيات لائقة ومتخصّصة قادرة على إنقاذ حياتهم في حال الإصابة بالأمراض الخطيرة؟ أم هل بات الحقّ في الحياة حكرا على الأغنياء فقط؟!
إهمال حقّ حبيبة في العلاج، الذي أرغم صاحبنا على قطع هذه المسافة، حاملا طفلته وحسرته في آن، يعبّر عن حجم الاستخفاف بأرواح المواطنين من قبل بعض من وصلوا إلى مناصب إدارة الدولة، فمن يتحمّل مسؤوليّة هذا الاستهتار؟!
ترى، كيف يمكن ائتمان أصحاب المناصب الذين لا يكترثون لحياة طفلة على إدارة دولة، وتدبّر شؤون وطن؟ إذا كان التعامل مع حياة الأطفال يتمّ بكلّ هذا الاستهتار، فماذا تبقّى لنا في أرض الوطن؟
حبيبة ليست أوّل طفلة تكشف قضيّتها استهتار أصحاب المناصب بحياة المواطن، فبالأمس القريب انتقل إلى رحمة الله تعالى الطفل سيف الدين، بعد معاناته مع مرض ضمور العضلات الشوكي.. رغم كلّ المناشدات التي نشرتها والدته عبر صفحات وسائل الإعلام، ونداءاتها الحزينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والوعود الكثيرة التي تلقّتها، إلاّ أن أحدا لم يتحرّك بشكل جدّي لإنقاذ حياة سيف الدين، حتّى انتقل إلى حيث الرحمة التي فقدناها على هذه الأرض "بفضل" من تولّوا إدارة شؤون البلاد والعباد!
ولا ننسى أيضا الطفلة سيرين، التي فقدت حياتها بعد أن راجعت قسم الطوارئ في مستشفيات البشير في شهر آب الماضي، وأحيل ملفّ وفاتها إلى المدّعي العام.. وغيرها الكثيرين من الأطفال الذين فقدوا حياتهم بسبب سوء الخدمات الصحيّة، أو عدم توفّر الأسرّة!
من يتحمّل مسؤوليّة وفاة أطفالنا؟ ومن جعل الحياة حكرا على من يمتلك "واسطة" تمكّنه من الحصول على إعفاء طبّي، أو من ولد في عائلة ثريّة تستطيع تحمّل كلفة العلاج في المستشفيات الخاصّة، التي لا تفتح أبوابها سوى للأغنياء أو للسياحة العلاجيّة؟!
الكذبة الكبرى التي تحصد أرواح أبناء الشعب الأردني هي وهم التأمين الصحّي للأطفال، لغاية عمر الست سنوات، ولكبار السنّ الذين تجاوزوا عقدهم السادس، حيث يحرمون من الإعفاءات الطبيّة، باستثناء من يمتلك قريبا أو صاحبا في السلطة، بذريعة هذا "التأمين" الذي لا يتيح لهم تلقّي العلاج سوى في مستشفيات وزارة الصحّة التي تفتقر إلى المعدّات الكافية، والقدرة على إجراء العمليّات المتخصّصة..
تحت بند كذبة التأمين الصحّي لا يمكن للفقير أن يحصل على إعفاء في المستشفيات الجامعيّة، أو تلك التي تتوافر فيها الإمكانيّات الكافية لعلاج الأمراض الخطيرة أو النادرة.. فيتمّ إرساله إلى مستشفيات البشير، أو مستشفى الاميرة بسمة، أو غيرهما من المستشفيات التي تعاني ضغطا كبيرا يفضي إلى تشظّي كوادرها الصحيّة في ظلّ غياب الأجهزة والمعدّات الكافية، بل وحتّى الأسرّة!
بصراحة، الدولة تنازلت عن أبنائها.. الحقّ في الحياة لا تضمنه سوى الأموال أو المحسوبيّة.. أمّا الفقراء إلى الله فليس لهم سواه!
الإعفاءات الطبيّة يفترض أن تكون ممنهجة ومنظّمة، بحيث تمنح لمن هم في أمسّ الحاجة إليها قبل أيّ شخص آخر، دون أيّ مجال لتدخّل العلاقات الشخصيّة على قاعدة هذا يرث وهذا لا يرث.. هذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر مادمنا نعيش في دولة، وليس في عزبة يملكها جلاوزة عهد الإقطاع!
الدولة الأردنيّة لا ينبغي أن تكون عزبة خاصّة لأي كان.. ومن حقّ الشعب أن يعرف كيف تمنح إعفاءات الديوان الملكي، وإعفاءات رئاسة الوزراء، وبأي حقّ تمنح لفلان ويحرم منها فلان، ومتى وكيف أصبحت هذه الإعفاءات أعطيات وهدايا تتحكّم فيها الأهواء والرغبات والمصالح الشخصيّة! أين تذهب الإعفاءات مادام الفقراء لا يستفيدون منها، ويفقدون حياتهم بسبب هذا التفسّخ الممنهج في مؤسّسات الدولة، وبسبب جلاوزة السلطة وجهازها البيروقراطي المتحلّل!