تظاهرات فرنسا تسقط قناع حريّة الرأي والتعبير وتفضح كذبة الجمهوريّة

قانون "الأمن الشامل"، المثير للجدل في فرنسا، أشعل المظاهرات في شوارع مختلف المدن الفرنسية الكبرى، وأدى إلى تأجيج الاحتجاجات السياسية ضد الحكومة والرئيس إيمانويل ماكرون. وقبل ذلك، عمل القانون نفسه على توتر العلاقات بين الحكومة ووسائل الإعلام، وأحدث شرخاً واسعاً في جدار الثقة بين جزء واسع من المجتمع وأجهزته الأمنية. يرى معارضو القانون فيه تقييداً لحرية الصحافة وحرية التظاهر، لأنه يطرح من جديد النقاش حول "حرب الصور" ما بين منفذي القانون من جهة، والصحافيين والمواطنين العاديين من جهة أخرى.

ويعتقد الصحافيون أن هذا القانون سيعيق حرية الصحافة، بما أنه سيمنعهم بشكل ملموس من تغطية أي شكل من المظاهرات مستقبلاً، وحتى الأشخاص العاديين الذين اعتادوا أن يصوّروا الشرطة بهواتفهم الذكية للتنديد بالعنف المحتمل من عناصرها سيتم تجريمهم ومعاقبتهم، طبقاً لفصول القانون نفسه الذي يعاقب كل من نشر صوراً تسمح بتحديد هوية عنصر إنفاذ القانون، بهدف الإضرار بسلامته الجسدية أو العقلية، بالسجن سنة نافذة وغرامة تبلغ 45000 يورو، طبقاً للمادة 24 من القانون نفسه، والتي يُعتقد أن الحكومة بدأت بالتراجع عنها، بعدما قبلت إعادة صياغتها، تحت ضغط الشارع.

الشعب الفرنسي، وعلى رأسهم الصحفيين، نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بوقف هذا القانون فورا، لكنً الشرطة الفرنسية قابلت هذه الأحداث بعنف شديد أدى لإصابة عدد كبير من المتظاهرين، لتعيش العاصمة باريس حالة من الارتباك جراء أعمال شغب وتكسير للسيارات والممتلكات العامة، لم تشهدها منذ تظاهرات السترات الصفراء العام المنصرم.

وقد انتقدت الصحافة الفرنسية وزير الداخلية جيرالد دارمانان، واصفة إيّاه بـ "العامل الرئيسي للفوضى في البلاد”، بسبب تجاهله انتهاكات الشرطة تجاه اللاجئين والصحفيين.. وفي مقابلة تلفزيونية، قال أدوي بينال، مالك صحيفة ” Mediapart” الفرنسية، إن تصريحات وزير الداخلية بعدم علمه بانتهاكات الشرطة، لا تعكس الحقيقة.

وأضاف أن المشاهد المتداولة في الإعلام حول عنف وانتهاكات الشرطة الفرنسية، وزير الداخلية على علم بها، إلا أنه لم يعزل أحداً عن منصبه بسبب هذه الممارسات.

وأكد "بينال” أن الوزير دارمانان مسؤول عن العنف والفوضى التي تشهدها فرنسا، مبيناً ضرورة استقالته من منصبه.
وتابع: ” وزير الداخلية دارمانان، العامل الرئيسي في الفوضى القائمة داخل الحكومة وفي البلد.”

وفي وقت سابق، أدانت النقابات الصحفية وممثلو وسائل الإعلام في فرنسا، الممارسات العنيفة للشرطة بحق المتظاهرين ضد مشروع قانون "الأمن الشامل” المثير للجدل.

وكان القضاء الفرنسي قد وجه تهما إلى أربعة من عناصر الشرطة، أوقف اثنان منهم، في إطار التحقيق المفتوح بقضية ضرب المنتج الموسيقي الأسود ميشال زيكلير، التي أثارت نقاشا حادا في كافة أنحاء فرنسا حول عنف الشرطة وقانون "الأمن الشامل".

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قضائي القول إن اثنين من رجال الأمن الأربعة أوقفوا، بينما وضع الاثنان الآخران تحت الإشراف القضائي، بعد تداول مقطع فيديو الأسبوع الماضي يظهر تعرض زيكلير للضرب في باريس.

ويواجه 3 منهم اتهامات بالعنف لدوافع عنصرية والتعدي على ممتلكات الآخرين وتزوير وثائق، وهو ما كان أوصى به المدعي العام لباريس، ريمي هيتس.

وأفادت الوكالة بأنه يشتبه في قيام رجل الأمن الرابع بإلقاء عبوة غاز مسيل للدموع في استديو الموسيقي، ويواجه اتهامات أبرزها "العنف المتعمد".

وتسبب المقطع الذي التقطته كاميرات الأمن، وأظهر العديد من ضباط الشرطة، وهم يهاجمون المنتج في الاستديو الخاص به، في غضب عام بعد ما نشرته مجلة "لوبسايدر" الخميس الماضي.

وأججت هذه القضية تظاهرات المعارضين لمشروع قانون "الأمن الشامل"، الذي ينص بشكل رئيسي على تقييد إمكانية تصوير عناصر الشرطة.

وتظاهر مؤخرا 130 ألف شخص، وفق وزارة الداخلية، فيما قدر المنظمون أعداد المشاركين بـ500 ألف، ووقعت مواجهات عنيفة أحيانا خلال بعض التظاهرات لا سيما في باريس.

وشهدت المظاهرات التي انطلقت في جميع أنحاء فرنسا، رشق رجال الشرطة بالحجارة والألعاب النارية، بينما ردت الشرطة بإجراءات لقيت تحفظا كبيرا في البلاد، وقدرت الشرطة أن نصف مليون شخص شاركوا في الاحتجاجات.

وبحسب حصيلة لوزارة الداخلية، أصيب 98 شرطيا ودركيا بجروح خلال التظاهرات وأوقف 81 شخصا.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تعرض عناصر شرطة للضرب من متظاهرين في ما وصفه وزير الداخلية جيرالد دارمانان بأنه "عنف غير مقبول"، بينما قال إنه سيطلب "إقالة" العناصر الضالعين في أعمال العنف من السلك الأمني.

كما أصيب المصور السوري المستقل أمير الحلبي (24 عاما) في وجهه، وندد الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف ديلوار، مساء السبت على تويتر، بعنف الشرطة "المرفوض" بحق الصحفي السوري المتعاون مع مجلة بولكا ووكالة الصحافة الفرنسية.

وانتقل الحلبي إلى فرنسا قبل حوالي 3 سنوات، وهو حائز على العديد من الجوائز الدولية، بما في ذلك جائزة المرتبة الثانية لفئة "سبوت نيوز" لصور الصحافة العالمية "وورلد برس فوتو" في 2017، وغطى لحساب وكالة الصحافة الفرنسية المعارك والدمار في مدينته حلب.

(وكالات)