العنف الاجتماعي وتراخي منظومة الضبط الاجتماعي في الأردن
تعتبر ظاهرة العنف الاجتماعي من الظواهر القديمة في المجتمعات الانسانية ، وقد ظهر العنف من لدن آدم عليه السلام حيث قتل قابيلُ أخاه هابيل حسدًا وظلمًا ، و هي ظاهرة من الظواهر العامة ولا تقتصر على دولة او مجتمع بعينه و تتصف بالعالمية .
العنف المجتمعي ظاهرة سلوكية إيذائية تقوم على إعمال احد مظاهر العنف و إنكار الآخر ، وللعوامل النفسية دوراً كبيراً فيها وهناك صور متعددة للعنف مثل ، العنف اللفظي أو الجسدي والاعتداء على الآخرين بالضرب أو الايذاء والتطاول على القانون من أجل تحقيق مصالح شخصية غير مشروعة، وأخذت ظاهرة العنف المجتمعي بالتنامي في السنوات الأخيرة بصورة ملفتة و حتى انها اصبحت تهدد السلم المجتمعي الذي يعدّ الاساس في حالة الاستقرار لجميع مكونات المجتمع والدولة .
وقد اجريت في الاردن عدة دراسات وابحاث ومؤتمرات وندوات في السنوات الاخيرة للوقوف على طبيعة هذه الظاهرة ( أسباباً وتقيماً وحلولاً) ، ولكن ما زالت هذه الظاهرة بحاجة الى المزيد من الدراسات و للوقوف على الاسباب المحركة بشكل جلي للوصول الى حلول ومعالجات تتوافق مع هذه الاسباب .
ان المدقق في هذه الضاهرة يجد ا ن هناك مجموعة من الأسباب من الممكن ان تقف وراء هذا السلوك بحيث يكون أحدها أو اكثر هو المسبب لحدوثها والمؤشر على تكرارها في المجتمع:
1 - ضعف قيم التربية المدنية و ضعف المنظومة القيمية لدى بعض الأفراد والجماعات مثل: قيم الحوار وتقبل الآخر والمسؤولية.
2 - ضعف منظومة التشريعات الناظمة للامن المجتمعي والتراخي في تطبيقها .
3- ضعف قيم المواطنة وتغليب المصالح الخاصة على مصالح الوطن العليا والنزعة نحو العبثيّة والاستهتار وحب الفوضى لدى البعض ،وكذلك التعصب وغياب لغة العقل والحكمة والتفكير المستقل وهذاكله ناتج عن ضعف الوازع الديني .
4 - التحوّلات والتغيرات الاجتماعية التي تفرضها طبيعة الحياة العصرية وضعف ادوات الضبط الاجتماعي .
5 -تفشي البطالة وتزايد أعداد العاطلين عن العمل وعدم قدرة الاقتصاد على استيعاب الايدي العاملة وعدم القدره على توليد فرص العمل .
6- انتشار مظاهر الفساد ، وعلى رأسه الواسطة والمحسوبية وغياب العدالةالاجتماعية و عدم تكافؤ الفرص.
7 - التفاوت في مستويات معيشة الأفراد والأسر ، مع ارتفاع الأسعار والضرائب.
8 - وجود الأردن في منطقة غير مستقرة سياسيًا، وتعاظم الهزائم القومية واستمرار جمود عملية السلام ومعاناة الشعب الفلسطيني.
9 - كثرة مشاهد العنف والقتل والدمار في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
10- مشاعر الإحباط لدى الشباب وضعف المشاركة السياسية.
وتشيرالدراسات الى أنه من الاجدى معالجة العنف المجتمعي في الاردن بشكل شمولي ، فقد اكدا الباحثون على عدد من المحاور وذلك في اطار النظره الشموليه للحلول بحسب المحاور التالية : -
التي تتمحور في أسباب سياسية ،واقتصادية ، وثقافية،واجتماعية، وتشريعية.
فالاصلاح السياسي له دور مهم في تخفيف كثير من الاحتقانات الاجتماعية، بحيث يؤدي تطوير قانون الانتخاب إلى المساهمة في نشر ديمقراطية فاعلة على أساس التعددية السياسية التي عمادها الأحزاب السياسية، و ذلك لايجاد برلمان مكون من أحزاب سياسية وكتل برامجية ذات توجهات واضحة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتشكيل حكومات برلمانية عن طريق أغلبية حزبية في البرلمان، ومعارضة برلمانية تقوم بدور بالمحاسبة والمراقبة لهذه الحكومة .
ويتركز المحور الاجتماعي على بناء خطة استراتيجية وطنية واضحة المعالم لمراجعة نظامنا الاجتماعي والعقد الاجتماعي الأردني وفق رؤية عصرية مدنية تكشف مواطن الضعف فيه و تعزز مواطن القوه في إطار تشاركي تسهم فيه الحكومة وجميع الأطراف ذات العلاقة .
و يتركز المحور الثقافي ليشمل معالجة ظاهرة العنف و الاهتمام ببرامج التعليم والتعليم العالي والبرامج الإعلامية و والتوعية والإرشاد كافة شرائح المجتمع ، بحيث تتضمن تعزيز التربية القانونية والتربية الوطنية وتعلم مهارات الحياة والعلاقات والاتصال ومهارات الحياة العصرية وغيرها من المفاهيم والمهارات، مثل: الحوار وفض النزاعات وحل المشكلات، واحترام الآخر، واحترام الاختلاف، وتفعيل دور التربية الوطنية والمدنية والتنشئة الاجتماعية في مناهجنا التربوية والأكاديمية من أجل احترام الدستور والقانون، وتعزيز الثقة لدى الشباب بمؤسسات الوطن الأمنية والقضائية، وتحفيز الشباب للمشاركة في الفعاليات والنشاطات والأعمال التطوعية .
كما ان الحالة الاقتصادية للمجتمع تؤكد على ضرورة إعادة النظر في مجمل النشاط الاقتصادي والمشاريع التنموية وبرامج التمويل ونظام التشغيل وبرامج تشجيع الاستثمار وتنظيم سوق العمل والأجور، لتحسين الإنتاج ودفع عجلة الاقتصاد في المجالات كافة وخلق فرص عمل حقيقية للشباب ومعالجة جيوب الفقر في المناطق الهامشية من الأرياف والبوادي والمخيمات، والحد من البطالة في صفوف الشباب الأردني وتسهيل انخراطهم في بناء الوطن ومؤسساته الاقتصادية والاجتماعية. ِ
وفي الختام لا بد من التركيز على اهمية المحور التشريعي بتطوير التشريعات المتعلقة بالعقوبات بما يضمن العدالة والتسريع في إيقاع العقوبة على الجاني أو الجناة في قضايا العنف المجتمعي، وخاصة في القضايا ذات الطابع العشائري، من مثل: جرائم القتل العمد وقضايا الشرف، بكل عدالة وبلا استثناء لشخص أو فئة، وإظهار العقوبة في وسائل الإعلام لتكون درسًا للغير وتأكيدًا على سيادة القانون وهيبة الدولة.
ولعله اصبح من الواضح ان معالجه هذه الظاهره تحتاج الى دراسات ميدانيه وقياس اثر كل من العوامل التي تدفع بالافراد لارتكاب جرائمهم المختلفه ، كون ان هذه الظاهره لها اسباب اجتماعيه و اقتصاديه و نفسيه و ثقافيه ،وان هنالك اسباب اخرى تدفع بتنامي هذه الظاهره ،وانه من الضرورة بمكان ان يتم دراسه بيئة الجاني وبيئة المجني عليه ومكان وقوع الجريمه من خلال دراسة العوامل البيئه المؤثرة وبما يعرف بالدراسات الكارتوجرافيه للجريمه .
وما شاهدته المملكه مؤخره من مشاجرات جماعيه سقط ضحيتها قتلى ومئات الجرحى، مما شكل ظاهره غريبه عن مجتمعنا الذي تربى على القيم والاخلاق وبالرغم من ِوجود الاوامر والنواهي التي تضمنتها شريعتنا السمحه حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانهُ» رواه مسلم)) .
وكل ذلك لا يخرج عن الاسباب التي تم طرحها في هذا السياق الا انه يمكن اضافه عنصرا هاما وهو التراخي الامني في ضبط هذه المشاجرات وضعف المنظومه التشريعيه ومظاهر الفساد المتمثله في الواسطه والمحسوبيه التي قد تؤدي الى ضياع حق الغير وتراجع سلطه منظومه القيم الدينيه والاجتماعيه ، وغالبا ما يتم تجاهل قصور المنظومه القضائيه في هذا الشأن وعدم سرعه التقاضي واصدار احكام من شائنها توليد الاحتقان والتئزيم بين ذوي اطراف القضيه، والتي اصبحت من احدى الاسباب التي تؤدي الى اقتضاء الحق بالذات. وهذا ما نتحدث عنه دائما في هذا المجال وهو ضرورة فرض (هيبة الدولة وسيادة القانون) وهذه يجب ان تكون اولويه من اولويات الدوله الاردنيه، ولكن دونما التعسف في استعمال الحق او التعدي على حريات الاخرين.