المصالحة الخليجية.. تعبيد الطريق بين جزيرة العرب وتل أبيب لمصالحة "بني قريظة"
التحرك الأمريكي المباغت الذي قاده جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تجاه المصالحة القطرية السعودية، قبيل مغادرتهما البيت الأبيض، يهدف إلى تعبيد طريق التطبيع الموصل بين تل ابيب والعواصم الخليجية، وإزالة جميع العوائق التي تحول دون تمكين الكيان الإسرائيلي من تنفيذ أخطر اختراق جيوسياسي لشبه الجزيرة العربية النفطية.
إدارة ترامب التي تسابق نفسها لفرض المصالحة، ليس حباً في عيون دول الخليج ولا خوفاً على مصالحها، إنما لسببين رئيسيين: اولاهما، إدخال السعودية على خط التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتحالف أبناء الديانة الإبراهيمية الجديدة التي انطلقت الدعوة لها من تل أبيب وعواصم خليجية.
ثانيهما، تدعيم بناء التحالف الخليجي لمواجهة إيران، وهو ما سبق وأكده روبرت اوبراين مستشار الأمن القومي الأمريكي في كلمة ألقاها أمام منتدى الأمن العالمي مؤخراً.
إحكام حلقة الإختراق الإسرائيلي لدول الخليج، لن يكون إلا بانضمام السعودية لنادي المطبيعن. لكن العقبة التي تقف أمام هذه الفرضية، أن السعودية لن تغامر بالتطبيع إلا إذا رأت بأم عينها جميع العواصم الخليجية قد طبّعت، ولن يتحقق هذا الشىرط دون نزع فتيل الخلافات مع القطريين، والضغط عليهم للمشاركة في الكرنفال الذي يجري على قدم وساق، قبيل إشراك بلاد الحرمين في اللعبة. للتخفيف قدر الممكن من وقع توقيعها على الشعوب الإسلامية، ومنحها هامشاً من الذريعة والمبررات، نظراً للمكانة الدينية التي تحظى بها في نظر مليار ونصف مليار مسلم.
السعوديون يعون تماماً أن الدخول في حقل ألغام التطبيع، مقامرة سياسية مصيرية، يهدد مكانة بلادهم الدينية التي قد تجيرها الشعوب الإسلامية للإيرانيين، او الأتراك المتحفزين لإعادة ارتداء الطربوش العثماني، وتسلم زمام قيادة الأمة!
السؤال الكبير الذي كان سيحرج السعودية فيما لو بقيت خلافاتها مع الدولة القطرية مستعصية بلا حلول: كيف يمكن لبلاد الحرمين توقيع معاهدة سلام مع "بني قريظة"، وترفض توقيع اتفاق سلام مع الإخوة والجيران المسلمين في الدوحة!
الإجابة على هذا السؤال، فرضت ترتيب الأوراق مسبقاً في المنطقة، وإعادة مياه الخليج إلى مجاريها، ليس حباً في الدوحة، بقدر ما هو تمهيد لما بعد المصالحة مع الدوحة!
ضغوط إدارة ترامب في آخر ايامها لإنهاء المصالحة، وجرّ قوافل الخليج إلى تل أبيب، يسلّم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، ملفاً مقفلاً، لا يمكنه إعادة فتحه ورسمه وفق سياسة الديمقراطيين العائدين إلى البيت الأبيض، الذين يحبذون مساحات مناورة، واللعب من تحت الطاولة، بشكل يؤدي إلى ذات النتائج على أية حال، انما بأدوات وتكتيكات مختلفة، ومكتسبات إضافية.
بقاء قطر خارج بيت الطاعة الخليجي، يقرؤها البعض أفضلية للقطريين، بحيث يبقيها ضمن محور تركيا- إيران المؤثرتان في المنطقة، كما يبقي ورقة الإخوان المسلمين في يدها، وهو أمر ربما فرضته دواع براغماتية صرفة على قطر، سيما بعد محاصرتها براً وبحراً وجواً من مجلس التعاون الخليجي الذي تعد أحد أركانه المؤثرة.
على الميزان السياسي، يبلغ حجم مكاسب السعودية والإمارات تحديداً من عودة العلاقات مع قطر، أكبر من المكاسب التي ستعود على القطريين أنفسهم، فبقاء الدوحة خارج المنظومة الخليجية جراء الحصار الذي لم يعد له قيمة سياسية تذكر، يفتح ثغرة حيوية في الجدار الخليجي امام طموح المحور التركي الإيراني، فيما استمرارية الأزمة ومراوحتها مكانها، لم يعد يفيد التحالف السعودي الإماراتي بشروى نقير.
المترقبون بقلق بالغ اليوم أكثر من أي وقت مضى، هم الإخوان المسلمين، الذين يشاهدون سيناريوهات هوليودية متسارعة تدور من حولهم، منتظرين الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية الجديدة منهم، آملين من بايدن، إعادة تدوير سياسات الرئيس الأسبق باراك اوباما، ومتوجسين كذلك من إرهاصات الإتفاق القطري، ليعرفوا اين ومتى وكيف يعيدوا تموضعهم لاحقاً.
وفي خضم هذه التوليفة العجائبية من المواقف والمشاهد التي تفوح منها روائح تزكم الأنوف، فان الدول العربية تتساقط كأحجار الدومينو، واحدة تلو الأخرى، على الطاولة الإسرائيلية، وتدخل في معاهدات واتفاقيات سلام مع كيان لم تطلق عليه يوماً رصاصة، فيما أهل مكة وشعابها في فلسطين المحتلة، أصحاب القضية أنفسهم، أخرجوا من اللعبة، ويراقبوا الأشقاء وهم يتجولون على أرضهم المغتصبة، كزائرين وسائحين لمحتلهم، لا لفلسطين التي أسقطوها من حساباتهم.