البيروقراطية الرسمية تقتل في مستشفياتنا مواطنا آخر.. وتفجع اسرة برحيل معيلها المبكر
كتب أحمد العكور - تهرع الزوجة حاملة الاعفاء الطبي بعد اربع ساعات من المراجعات للجهة المعنية في الديوان الملكي ،في رحلة تخللها الكثير من البكاء والخوف والقلق و الانتظار المقيت، متوجهة الى مستشفى البشير حيث ينتظر زوجها بين الحياة والموت بعدما اصيب بأزمة قلبية حادة..
ها هي تدخل المشفى والفرحة تقفز من عينيها ، نعم لقد تم تأمين المعالجة وخاصة ان الاسرة لا تملك تأمينا صحيا ولا ملاءة مالية ، بعد ان توقف زوجها عن العمل في ظل الجائحة ، حيث كان يشتغل سائقا في احدى شركات السياحة والسفر ، وبالتالي ما عاد قادرا على تأمين لقمة الخبز لاسرته المكونة من طفلين صغيرين (سنتان، وسنة) ، وزوجة صابرة محتسبة.
كل هذه التفاصيل اصبحت الان غير مهمة ، الزوجة تتمكن من الحصول على الاعفاء وبات شفاء زوجها ممكنا ، وها هي تنتقل من غرفة الى اخرى باحثة عن زوجها داخل المشفى ،دون جدوى ، الى ان تصل الى الحيز الذي تركته فيه ، واخذت تصيح ، "يا عالم يا ناس” اين زوجي لقد تركته هنا ؟ لينزل الرد عليها كالعاصفة ، وتسقط مغشيا عليها ..
دعونا نعود بالزمن قليلا لنسرد القصة من اولها.. الشاب الثلاثيني (و.خ) القاطن في منطقة بدر الجديدة (الرباحية) جنوب عمان، يتعرض صباح الخميس الماضي لنوبة قلبية حادة في منزله ، فتقرر الزوجة نقله من ذلك المكان القصي الى مستشفى الفقراء في الاشرفية ،وبعد اكثر من ساعة تمكنا من الوصول الى مستشفى البشير، وتم فعلا المباشرة في عمليات تشخيص المرض . وبعد تخطيط القلب تبين ان الشاب يعاني من مشكلة كبيرة في قلبه المنهك، و كان لا بد حينها من اجراء قسطرة عاجلة ..
المفاجئ وغير المتوقع ،ان مستشفى البشير بكل امكاناته وبكل ما انفق عليه من ملايين لغايات تطويره وتوسعته المرة تلو الاخرى ، وبعد كل هذه السنوات من العمل ،لا توجد به اجهزة قسطرة ، وكل من يحتاج الى اجراء القسطرة يحول الى مستشفى اخر ، و عليه كان لا بد من نقل الزوج المُبتلى الى مستشفى اخر(..) .
المريض الذي كان يعاني ما يعاني، عندما سمع بالامر، طفق يوصي زوجه "دير بالك على الصغار”، قلبي المتعب لن يحتمل اكثر من هذا، الزوجة تخاطبه قائلة "توكل على الله فما زال في العمر بقية، سيجري تحويلنا فورا الى مستشفى اخر حيث سيُباشر في عملية القسطرة، لا تقلق يا ابو فلان، نحن الان بأيد امينة.. وبعد هذا الحوار الموجع تتوجه الزوجة للطبيب المعالج، وتسأل عن الاجراءات، فيباغتها بالقول: علينا ان نحوله الى المدينة الطبية فورا، ولكن هذا الامر يتطلب الحصول على اعفاء طبي من الديوان الملكي، وعليك حالا التوجه لمكاتب الاعفاءات هناك والمباشرة في الاجراءات فالوقت ضيق ولا مجال للانتظار اكثر..
الزوجة توشك ان تنهار تماما، وتصيح يا دكتور: لا وقت لدينا ارجوك قم بنقل زوجي وبعدها نفعل ما تري، فوضعه لا يسمح بالانتظار اكثر، الطبيب يجيب: لا تقلقي زوجك تحت المراقبة الحثيثة، ولا نستطيع ان نفعل شيئآ بدون الاعفاء.
الزوجة تتناول التقرير الطبي وتغادر المستشفى مسرعة دون حتى ان تودع زوجها، فلا وقت لديها تضيعه، فحياة زوجها باتت مرتبطة بهذه الرحلة الى الديوان الملكي.. بعد اربع ساعات تقريبا تعود لتجد ان زوجها قد فارق الحياة وحيدا، وتم بعدها نقله الى غرفة الموتى قبل ان تصل اليه حاملة الاعفاء الذي ما عاد له اي قيمة على الاطلاق..
وهنا انتهى الامر، وبدأت رحلة معاناة جديدة طويلة وممتدة لاسرة فقدت معيلها، لاطفال صغار "كوم لحم” فقدوا والدهم، واصبحوا يتامى وباتت الزوجة ارملة وهي في ريعان شبابها .. اسرة تتفكك والسبب اجراءات ومعاملات بين الجهات المعنية..
لا نعرف بالضبط على من نلقي باللائمة؟ من يتحمل المسؤولية ؟ كيف يستمر هذا الاستهتار بحياة الاردنيين ؟ الى متى سنتحمل هذا الاهمال والبيروقراطية وسوء الادارة ؟ و لمن نشكوا تقصيرهم وقد صُمت الاذان واُغلقت النوافذ وعَلت الجدران والحواجز ؟هذه ليست المرة الاولى ولا نظن انها ستكون الاخيرة ..هل بات المواطن ابخس ما نملك ؟
وحتى لا نترك الامر ناقصا ، دون ان نسمع من الجهة الرسمية المعنية ، اتصلنا ب امين عام وزارة الصحة الدكتور وائل هياجنة الذي اجابنا قائلا : ان المريض حضر الى المستشفى مصابا باحتشاء قلبي حاد.
واضاف الهياجنة لـ الاردن24 ان الكوادر الطبية المتواجدة بالمستشفى قامت بكافة الاجراءات الطبية الممكنة للحفاظ على حياة المريض .
وقال ان الوزارة تقوم بتحويل كافة المرضى الذين هم بحاجة الى اجراءات سريعة الى مستشفى السلط الحكومي بعد قرار تحويل مرضى الكورونا الى مستشفى حمزة .
مدير مستشفى البشير التزم الصمت ولم يجب على اتصالاتنا المتكررة ، واضح انه منشغل بعمليات التوسعة الجديدة وتأمين المستشفى بالكوادر المؤهلة!!! لا حول ولا قوة الا بالله..