(ماكرون) المندفع بقوة نحو اليمين
بدأ حياته العملية موظفا في المفتشية العامة للشؤون المالية، ثم انتقل، منذ العام ٢٠٠٨، للعمل في بنك روتشيلد وشركاه، ليبدأ نجمه السياسي بالصعود بشكل لافت، بعد أن دخل في حضن هذه العائلة ذات النفوذ الهائل، ويصبح، في العام ٢٠١٢، نائبا للأمين العام لرئاسة الجمهورية، في عهد الرئيس (فرانسوا هولاند)، ثم وزيرا للاقتصاد والصناعة والشؤون الرقمية، عام ٢٠١٤، ليستقيل منها عام ٢٠١٦، مبتدئا حملته الإنتخابية التي أوصلته إلى قصر الإليزيه.
شهد التوجه السياسي للرجل، ولازال يشهد، تحولا ملفتا، يحتاج إلى وقفة تدقيق وتحليل.
فبعد أن كان اشتراكيا حتى العام ٢٠١٤، تحول ليأخذ في استهلال حملته الإنتخابية، مسارا جديدا (وسطا) بين اليمين واليسار- من خلال طريق ثالث- أسس له حزبا أطلق عليه اسم: "إلى الأمام"، وهو الحزب الذي صار من خلاله رئيسا لفرنسا.
الأن، يبدو واضحا؛ كل الوضوح، أن الرجل الذي سار من اليسار إلى الوسط، يواصل، وبشكل جلي، خطاه نحو اليمين.
ويأخذنا تحليل هذه التحولات، في توجهات (ماكرون)، إلى افتراضين اثنين: يكمن أولهما في أن الرجل هو في الحقيقة يميني في الأصل، وهو مايؤكده سلوكه الحالي، وأنه قد أخفى فيما مضى، يمينيته تلك، وارتدى ثوب الوسط، لتحقيق غايته في الوصول إلى سدة الدولة الفرنسية، وهو ما نجح فيه وحققه.
ومايؤكد ذلك أنه حين انتقل هو وزعيمة اليمين الجذري المتطرف (مارين لوبن) إلى الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية، عام ٢٠١٧، حصد ليس أصوات اليسار فقط، بل حصد، علاوة عليها وعلى أصوات الوسط نفسه، أصوات يسار اليمين وإلى حد ما وسطه.
أما الإفتراض الثاني فيتمثل في أن الرجل قد توقف، وهو يتطلع لانتخابات عام ٢٠٢٢، عند نتائج الانتخابات السابقة؛ فماحصلت عليه منافسته اليمينية المتطرفة( مارين لوبن)، في الجولتين الأولى والثانية، قد أفصح عن نزوع الفرنسيين الواضح، والكبير نسبيا، نحو اليمين، وهو- أي؛ الرئيس الحالي- يريد من خلال توجهاته اليمينية المتطرفة الأخيرة نحو المسلمين، وإلى حد ما نحو الأفارقة وعموم المهاجرين، أن يساير التحول الحاصل في المجتمع الفرنسي(الأبيض) في هذا الخصوص.
ذلك بالطبع دون أن نهمل افتراضا ثالثا يقوم على المزج بين الإفتراضين المذكورين، بعد أن نؤكد على أن الرجل الذي هو يميني في حقيقة الأمر؛ وفقا للإفتراص المذكور أعلاه، قد بدأ بخطوات ممنهجه تهدف إلى دفع المجتمع الفرنسي، أكثر وأكثر، نحو اليمين، من خلال تغذية المخاوف من المسلمين، وإلى حد ما من عموم المهاحرين.
مايحملنا على القول: إن إشادته برسامي الكاريكتورات المسيئة للرسول الكريم، تأتي في سياق مشروعه المذكور؛ لأنه علاوة عن أنها تعبير صريح عن توجهاته بهذا الخصوص، فإن ردود فعل المسلمين على استفزاز مشاعرهم، ستمكنه من تعميق مخاوف الفرنسيين (البيض) منهم وتحقيق هدفه المذكور والمتمثل بدفعهم، بشكل أو بآخر، نحو اليمين.
وتطبيقا لذلك، وتعبيرا عنه، يأتي "قانون تعزيز مبادئ الجمهورية"، الذي يهدف في الحقيقة، والواقع، إلى تحجيم الإسلام والمسلمين في فرنسا؛ تحت العنوان الذي تفتقت عنه قريحته الإيديولوجية؛ المتمثل في: "الإنفصالية الإسلامية".
وبالتالي فإن التبرير الذي يسوقه فريقه؛ ويقول فيه: إن القانون قد جاء لصون علمانية الدولة، إنما يدعو إلى الضحك!؛ فأي علمانية تلك التي تسمح لماكرون بازدراء رمز المسلمين، في الوقت الذي تقر فيه دولته للتو قانونا، من اقتراحه هو، يوسع فيه من دائرة تجريم معادات السامية لتشمل الصهيونية؛ أي علمانية هي تلك؟!