آثار في مهب الريح.. بين اعتداء مجهول وغض طرف مسؤول جهول!!

أقدم "مجهولون" على "الاعتداء وتحطيم اجزاء من صخرة ذيبان والتي تُعد مقصداً سياحياً في المنطقة" ، كما تمكنت الجهات المعنية والمختصة من "ضبط مركبتين محملتين بثمانٍ من أشجار الزيتون الرومي المعمرة وهي من الاشجار المهددة بالانقراض"، وتطالعنا وسائل الإعلام بكم من الانباء عن مثل هذه الاعتداءات على مواقع أثرية وتاريخية وطبيعية في أنحاء المملكة كافة.

والسؤال الكبير، هل تأتي واقعتا "الصخرة" و "الزيتون الرومي"، وما سبقها من اعتداءات مماثلة، كأفعال فردية معزولة وبتزامن هو محض صدفة؟ ام انها تأتي في سياق خطة ممنهجة، تسعى قوى غير منظورة إلى تنفيذها ، لتدمير كل ما هو جميل وأصيل في تاريخنا ، واقتلاعه من جذوره، في إطار السعي لطمس الهوية الحضارية للاردن!!.

قبل ايام معدودة من واقعتي الاعتداء هاتين، راجت على نطاق واسع قصة العثور على كنوز وذهب خلال أعمال حفر تجريها أمانة عمّان لغايات تصريف مياه الأمطار بمنطقة وسط البلد، وقد سارعت الحكومة إلى نفي وجود أي كنوز، وكانها نسيت ان مثل هذه الآثار هي الكنز الحقيقي الذي يجب أن تلتفت اليه وتصونه من العبث والتخريب والسرقة !!.

وكالعادة، ونتيجة انعدام الثقة بالحكومات، والقناعة الراسخة لدى الناس بأن تاريخ بلدهم يسرق، كما خيراته فوق الأرض والدفائن تحتها، راجت على منصات التواصل الاجتماعي، النكات المعبرة اللاذعة، ومنها الرسالة المفترضة من هرقل ملك الروم إلى يوسف الشواربة أمين عمان يعاتبه فيها ويلومه" هاي آخرتها تطلعوني متعثر ومفلس"!!.

على اي حال، سواء أكان هناك ذهبا ام مجرد بقايا "صابون" في حمام روماني اذابته وجرفته سيول وسط البلد، لاحظو كم هو محزن رد وتوضيح دائرة الآثار العامة، التي لفتت إلى أن ما تم العثور عليه، هو " آثار قديمة ترجع إلى عصور مختلفة أهمها العصر الروماني حيث كانت هذه الاثار مغمورة بما يسمى سقف السيل الذي تم تنفيذه عام 1964 وحتى عام 1971 وغطى الكثير من العمارة الاثرية التي كانت قائمة على ضفاف نهر عمان او سيل عمان الذي كان يجري وسط المدينة لالاف السنين".

مرة أخرى، لاحظوا كم تحاول دائرة الآثار تقزيم القصة وتسطيحها، كما لو انها المنحنى الوبائي لانتشار فيروس كورونا، وكأن ما تم العثور عليه ، لا قيمة له، نعم كيف يكون له قيمه وهو مجرد حمام روماني كان يرتاده عامة الشعب!!.

وعود على بدء، أتساءل، لماذا كل هذه الضجة، والغضب العارم، على مجموعة ضالة سارقة مارقة نهشت انيابها صخرة ذيبان واقتلع حقدها زيتون الرومان، وننسى ما ينهب من ثروات أثرية ويهرب خارج الوطن او يبقى دفينا يكتشف بالصدفة بعد أن تعمل أفواه الجرافات والسنتها فيها تدميرا وتخريبا، تحت سمع الجهات المعنية وبصرها المغضوض، حين لا توجد كنوز الذهب!!.

وتلح في الخاطر جملة من الأسئلة، اطرحها ويقيني ان لا جواب يرجى، الا ترى الجهات المعنية غير الذهب، وما عداه لا قيمة له؟! الا تؤمن الدائرة - اقصد دائرة الآثار - بأن الآثار هي السجل الأكثر مصداقية لتاريخنا، وما تحقق من منجزات حضارية وثقافية وعلمية وإبداعات معرفية ومعمارية، حتى تهمل على هذا النحو، ويعتدى عليها؟! لماذا لا توفر الحماية اللازمة لآثارنا ومعالمنا الحضارية والثقافية وحتى الجمالية التي تنحتها الطبيعة ؟!.

يزخر الاردن على امتداد مساحته، بكنوز ابقى من الذهب واثمن على رأسها البتراء ، ومدن رومانية ويونانية، والمواقع الدينية ، وقصور الملوك ، فضلا عن التماثيل وآثار ومآثر السالفين منذ الاف السنين ، هي الشاهد على عظمة من مروا على هذه الأرض الطيبة، والشهيد على أيدي المهملين والمقصرين والعابثين عن غير قصد وجهل او في سياق ممنهج لطمس الهوية الاردنية الموصولة في آثارها الممتدة جذورها بحوالي مليون ونصف المليون سنة!!

وتشير مصادر مختصة إلى أن عدد المواقع الأثرية المسجلة رسميا بلغ 15 ألف موقع، وعدد القطع الأثرية المسجلة 200 ألف قطعة، 2000 منها معروض في المتاحف، ومن حقنا ان نسأل، اذا كانت هذه المعلومة الأخيرة صحيحة، أين هي هذه القطع المسجلة؟ وهل هي آمنه ومحمية من العبث والتخريب والسرقة؟؟.

واذا صح، أن هناك حوالي 2877 موقع تراثي متضرر ، وفقا لمختصين، أيعقل ان نهملها وننساها دون إجراء ما يلزمها من صيانة وترميم، وبعد ذلك نعتب ونغضب ونتوعد مارقين مجهولين اعتدوا على صخرة ، ولا أقلل من قيمتها بالتأكيد، لكن المفارقة تبعث على الحزن والأسى لما تؤول اليه آثارنا ومعالمنا التاريخية والجمالية من خراب ودمار، في غياب من يحفظها ويحميها ويصون كرامتها من الاعتداء!!.

اميل إلى الاعتقاد، أن ما يجري على أرض الواقع من انتهاك وتدمير وتخريب واعتداء وإهمال وتقصير تجاه مواقع هامة وحيوية، وفي مقدمتها الآثار، ليس وليد الصدفة ، وإنما تقف خلفه وتقوده وتوجهه مافيات في الظاهر تجني ارباحا وفي الباطن تدمر تاريخا وتراثا وتطمس هوية حضارية ضاربة جذورها في الأرض والانسان.