الحقوق والحريات ضحيّة تدابير مكافحة كورونا
قيّدت تدابير مكافحة وباء كوفيد-19 الحريات في العالم في 2020 وأضعفت المدافعين عنها في الدول الأقل ديموقراطية وسهلت إمكانية تحول دولة القانون الغربية إلى نموذج جديد أقل انفتاحا.
منعت الحكومة في غينيا تنظيم التظاهرات حتى إشعار آخر متحججة بمكافحة فيروس كورونا المستجد. أما المجر فتعيش حالة طوارئ حتى شباط/فبراير. وفي سنغافورة، أقرت الحكومة تدابير لمكافحة الفيروس تهدد الحياة الخاصة.
وخلف العنف الأمني والعسكري عدة قتلى في نيجيريا أثناء سريان التدابير الصحية، بينما أرجأت بوليفيا الانتخابات العامة لأشهر، ,اصبح يجب على المواطنين في فرنسا ملأ استمارة حتى يتسنى لهم مغادرة منازلهم.
وقالت منظمة "انترناشيونال أيديا” غير الحكومية أنه بحلول نهاية تشرين الثاني/نوفمبر "تبنى أكثر من نصف دول العالم (61 بالمئة) تدابير لمكافحة كوفيد-19 تثير مخاوف إزاء الديموقراطية وحقوق الإنسان”.
ولا يقتصر ذلك على دول غير ديموقراطية، إذ هناك مخاوف أيضا "على نطاق واسع نسبيا، في دول ديموقراطية”.
حذرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه منذ نيسان/ابريل من أنه "نظرا للطبيعة الاستثنائية للأزمة، من الواضح أن الدول تحتاج إلى سلطات إضافية”. لكنها أضافت "في الوقت نفسه إن لم يتم احترام دولة القانون، هناك تهديد بأن تتحول حالة الطوارئ الصحية إلى كارثة على حقوق الإنسان”.
وتقدر منظمة "فريدوم هاوس” الأميركية غير الحكومية أنه "منذ ظهور فيروس كورونا المستجد، تراجعت الظروف الديموقراطية وحقوق الإنسان في ثمانين دولة”. ودانت الحكومات التي استغلت الوضع لقمع منتقديها وتفكيك المنظمات التي تمارس رقابة عليها، على غرار حكومة سيريلانكا التي تمثل "نموذجا على نزوع عام”.
وقال المحامي بافاني فونسيكا المتخصص في قضايا حقوق الإنسان في مركز البدائل السياسية الفكرة في العاصمة السريلانكية كولومبو، لوكالة فرانس برس "رأينا في الأشهر الأخيرة كيف عزز الرئيس (السريلانكي غوتابايا رجاباكسا) سلطته”.
وأضاف أن "ذلك جرى بذريعة الاستجابة للجائحة، لكن أيضا عبر تعديل دستوري وتعزيز السلطة التنفيذية وإضعاف السلطات المضادة”.
وتبنت السلطات الصينية تدابير قمعيّة قاسية، ففرضت حجرا صارما في مناطق واسعة وعمليات فحص مكثّفة ورقابة عبر طائرات مسيّرة. وأعلنت نجاحها في احتواء الفيروس، رغم أن احصائياتها ليست شفافة.
في مصر، الدولة "المعروفة بممارساتها السلطوية وتضييقها المجال السياسي والمواطني، منحت الجائحة للرئيس (عبد الفتاح السيسي) فرصة لسنّ وتطبيق قوانين قمعيّة عززت ممارسات سائدة”، وفق ما كتبت الباحثة حفصة حلاوة في تقرير للمركزين الفكريين الأميركي "المجلس الأطلسي” (أتلانتيك كاونسل) والإيطالي "معهد الدراسات السياسية الدولية”.
لا يقتصر تاثير الوباء على الحريات في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية أو غير الليبرالية بل إذ يمكن رصد انعكاساته في الديموقراطيات الليبرالية أيضا، ولكن بالتأكيد بدرجة أقل حدّة.
فتدابير مكافحة الفيروس تغير دولة القانون تدريجيا. ويقول الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين أنه يمكن "تفسيرها على أنها عوارض وعلامات تجربة أوسع نطاقا، يقع في صلبها نموذج جديد لطريقة حكم البشر”.
وحذر البرلمان الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر من أن "سلطات الطوارئ تنطوي على خطر إساءة استخدام السلطة من طرف الجهاز التنفيذي، ويمكنها أن تبقى سارية في الإطار القانوني الوطني مع نهاية حالة الطوارئ”.
في باريس وبرلين ولندن، اعتاد المواطنون منذ عقود على العيش في حرية واسعة تضمنها دولة القانون، لكنها أصبحت مقيدة بحظر التجول ومنع التجمع وإغلاق المتاجر. وجاء ذلك عقب اتخاذ تدابير رقابة أخرى في إطار مكافحة الإرهاب.
واعتبر جورجيو أغامبين أن "ما يحصل اليوم يمثل نهاية دولة القانون والديموقراطيات البورجوازية التي شهدت أصلا تحولات عميقة”.
ويقدر الفيلسوف الإيطالي في كتابه "الإنسان المستباح” أن "الإنشاء الطوعي لحالة طوارئ دائمة (وإن لم يتم إعلانها بتلك الصفة تقنيا) اصبح ممارسة أساسية في الدول المعاصرة، بما فيها تلك التي نسميها ديموقراطية”.
وتوضح أستاذة القانون العام والدستوري في جامعة السربون الجديدة لورولين فونتين أن حالة الطوارئ الصحية في فرنسا مثلا "تشبه إلى حد كبير حالة الطوارئ الأمنية” وأسست لتغييرات "مستدامة وثابتة”.
وترى فونتين أن "الخطابات السياسية تنزع إلى تأكيد الطابع الاستثنائي لحالة الطوارئ. في المقابل، يجري إدخال تغييرات في القانون ليست مؤقتة”.
إضافة إلى ذلك، لا تؤدي أدوات الرقابة الدور المحدد لها دائما. وترى فونتين أن "الفكرة هي أن الدساتير تمثل الأدوات الأكثر فاعلية لتقييد السلطات. اليوم لم تعد كذلك. القواعد المتعلقة بدور الدستور ووظيفته تنهار”.
من الأمثلة على ذلك ما حصل في 26 آذار/مارس، حين قرر المجلس الدستوري الفرنسي بخصوص قانون جرى إقراره لمكافحة وباء كوفيد-19، أنه "نظرا للظروف الخاصة في هذه الحالة، لا يمكن الحكم بأن هذا القانون العضوي جرى تبنيه في انتهاك للقواعد الإجرائية المنصوص عليها في الفصل 46 من الدستور”.
واعتبرت فونتين أن ذلك "غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة”.
وترى فونتين أن "هناك قبولا عاما بمبدأ تحقيق الهدف المنشود، وبالتالي أصبحنا متنبهين للطريق التي يتم إنتاج القانون فيها بذريعة أن الأهم هو التحرك”.
وأضافت استنتجت أنه "في الأعوام العشرين الأخيرة، لاحظت نوعا من الازدراء بالقانون من أجل الأداء”.
لكن جورجيو أغامبين أكثر تشاؤما. وقال "في حال قبل الناس التدابير الاستبدادية والقيود غير المسبوقة التي أُخضعوا إليها من دون أي ضمان، فإن ذلك ليس فقط نتاج خشيتهم من الجائحة، بل يرجح أنه نتيجة إدراكهم عدم إدراكهم أن العالم الذين يعيشون فيه لا يمكنه أن يتواصل بهذا الشكل وأنه غير عادل وغير إنساني بشكل كبير”.
لكنه أضاف "غني عن القول إن الحكومات تعد عالما غير إنساني وغير عادل بشكل أكبر”.-(أ ف ب)
منعت الحكومة في غينيا تنظيم التظاهرات حتى إشعار آخر متحججة بمكافحة فيروس كورونا المستجد. أما المجر فتعيش حالة طوارئ حتى شباط/فبراير. وفي سنغافورة، أقرت الحكومة تدابير لمكافحة الفيروس تهدد الحياة الخاصة.
وخلف العنف الأمني والعسكري عدة قتلى في نيجيريا أثناء سريان التدابير الصحية، بينما أرجأت بوليفيا الانتخابات العامة لأشهر، ,اصبح يجب على المواطنين في فرنسا ملأ استمارة حتى يتسنى لهم مغادرة منازلهم.
وقالت منظمة "انترناشيونال أيديا” غير الحكومية أنه بحلول نهاية تشرين الثاني/نوفمبر "تبنى أكثر من نصف دول العالم (61 بالمئة) تدابير لمكافحة كوفيد-19 تثير مخاوف إزاء الديموقراطية وحقوق الإنسان”.
ولا يقتصر ذلك على دول غير ديموقراطية، إذ هناك مخاوف أيضا "على نطاق واسع نسبيا، في دول ديموقراطية”.
حذرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه منذ نيسان/ابريل من أنه "نظرا للطبيعة الاستثنائية للأزمة، من الواضح أن الدول تحتاج إلى سلطات إضافية”. لكنها أضافت "في الوقت نفسه إن لم يتم احترام دولة القانون، هناك تهديد بأن تتحول حالة الطوارئ الصحية إلى كارثة على حقوق الإنسان”.
وتقدر منظمة "فريدوم هاوس” الأميركية غير الحكومية أنه "منذ ظهور فيروس كورونا المستجد، تراجعت الظروف الديموقراطية وحقوق الإنسان في ثمانين دولة”. ودانت الحكومات التي استغلت الوضع لقمع منتقديها وتفكيك المنظمات التي تمارس رقابة عليها، على غرار حكومة سيريلانكا التي تمثل "نموذجا على نزوع عام”.
وقال المحامي بافاني فونسيكا المتخصص في قضايا حقوق الإنسان في مركز البدائل السياسية الفكرة في العاصمة السريلانكية كولومبو، لوكالة فرانس برس "رأينا في الأشهر الأخيرة كيف عزز الرئيس (السريلانكي غوتابايا رجاباكسا) سلطته”.
وأضاف أن "ذلك جرى بذريعة الاستجابة للجائحة، لكن أيضا عبر تعديل دستوري وتعزيز السلطة التنفيذية وإضعاف السلطات المضادة”.
وتبنت السلطات الصينية تدابير قمعيّة قاسية، ففرضت حجرا صارما في مناطق واسعة وعمليات فحص مكثّفة ورقابة عبر طائرات مسيّرة. وأعلنت نجاحها في احتواء الفيروس، رغم أن احصائياتها ليست شفافة.
في مصر، الدولة "المعروفة بممارساتها السلطوية وتضييقها المجال السياسي والمواطني، منحت الجائحة للرئيس (عبد الفتاح السيسي) فرصة لسنّ وتطبيق قوانين قمعيّة عززت ممارسات سائدة”، وفق ما كتبت الباحثة حفصة حلاوة في تقرير للمركزين الفكريين الأميركي "المجلس الأطلسي” (أتلانتيك كاونسل) والإيطالي "معهد الدراسات السياسية الدولية”.
لا يقتصر تاثير الوباء على الحريات في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية أو غير الليبرالية بل إذ يمكن رصد انعكاساته في الديموقراطيات الليبرالية أيضا، ولكن بالتأكيد بدرجة أقل حدّة.
فتدابير مكافحة الفيروس تغير دولة القانون تدريجيا. ويقول الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين أنه يمكن "تفسيرها على أنها عوارض وعلامات تجربة أوسع نطاقا، يقع في صلبها نموذج جديد لطريقة حكم البشر”.
وحذر البرلمان الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر من أن "سلطات الطوارئ تنطوي على خطر إساءة استخدام السلطة من طرف الجهاز التنفيذي، ويمكنها أن تبقى سارية في الإطار القانوني الوطني مع نهاية حالة الطوارئ”.
في باريس وبرلين ولندن، اعتاد المواطنون منذ عقود على العيش في حرية واسعة تضمنها دولة القانون، لكنها أصبحت مقيدة بحظر التجول ومنع التجمع وإغلاق المتاجر. وجاء ذلك عقب اتخاذ تدابير رقابة أخرى في إطار مكافحة الإرهاب.
واعتبر جورجيو أغامبين أن "ما يحصل اليوم يمثل نهاية دولة القانون والديموقراطيات البورجوازية التي شهدت أصلا تحولات عميقة”.
ويقدر الفيلسوف الإيطالي في كتابه "الإنسان المستباح” أن "الإنشاء الطوعي لحالة طوارئ دائمة (وإن لم يتم إعلانها بتلك الصفة تقنيا) اصبح ممارسة أساسية في الدول المعاصرة، بما فيها تلك التي نسميها ديموقراطية”.
وتوضح أستاذة القانون العام والدستوري في جامعة السربون الجديدة لورولين فونتين أن حالة الطوارئ الصحية في فرنسا مثلا "تشبه إلى حد كبير حالة الطوارئ الأمنية” وأسست لتغييرات "مستدامة وثابتة”.
وترى فونتين أن "الخطابات السياسية تنزع إلى تأكيد الطابع الاستثنائي لحالة الطوارئ. في المقابل، يجري إدخال تغييرات في القانون ليست مؤقتة”.
إضافة إلى ذلك، لا تؤدي أدوات الرقابة الدور المحدد لها دائما. وترى فونتين أن "الفكرة هي أن الدساتير تمثل الأدوات الأكثر فاعلية لتقييد السلطات. اليوم لم تعد كذلك. القواعد المتعلقة بدور الدستور ووظيفته تنهار”.
من الأمثلة على ذلك ما حصل في 26 آذار/مارس، حين قرر المجلس الدستوري الفرنسي بخصوص قانون جرى إقراره لمكافحة وباء كوفيد-19، أنه "نظرا للظروف الخاصة في هذه الحالة، لا يمكن الحكم بأن هذا القانون العضوي جرى تبنيه في انتهاك للقواعد الإجرائية المنصوص عليها في الفصل 46 من الدستور”.
واعتبرت فونتين أن ذلك "غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة”.
وترى فونتين أن "هناك قبولا عاما بمبدأ تحقيق الهدف المنشود، وبالتالي أصبحنا متنبهين للطريق التي يتم إنتاج القانون فيها بذريعة أن الأهم هو التحرك”.
وأضافت استنتجت أنه "في الأعوام العشرين الأخيرة، لاحظت نوعا من الازدراء بالقانون من أجل الأداء”.
لكن جورجيو أغامبين أكثر تشاؤما. وقال "في حال قبل الناس التدابير الاستبدادية والقيود غير المسبوقة التي أُخضعوا إليها من دون أي ضمان، فإن ذلك ليس فقط نتاج خشيتهم من الجائحة، بل يرجح أنه نتيجة إدراكهم عدم إدراكهم أن العالم الذين يعيشون فيه لا يمكنه أن يتواصل بهذا الشكل وأنه غير عادل وغير إنساني بشكل كبير”.
لكنه أضاف "غني عن القول إن الحكومات تعد عالما غير إنساني وغير عادل بشكل أكبر”.-(أ ف ب)