كيف نتجنب جائحة اجتماعية تدمر المناعة الزوجية؟
يريد أحدهم الذهاب إلى الحمام فيجده مشغولا والاجتماع على وشك البدء، تستيقظ لتشرب كوب القهوة فتجدهم في المطبخ قبلها، وتنشغل بهم وتنسى القهوة، لديه امتحان وإخوته الصغار ينغمسون في مباراة كرة قدم وتحت مكتبه هو الهدف، فيروس كورونا يهدد الحياة بصفة عامة والحياة الأسرية بصفة خاصة.
ففي ظل الحظر وتغير نمط الحياة تحول العمل والدراسة إلى المنزل، تزايدت فترات وجود أفراد الأسرة معك وما يفرضه ذلك من تحديات.
أريد الطلاق
ولا عجب أنّ البحث عن "I want divorce" (أنا أريد الطلاق) ارتفع بنسبة 230% على شبكة الإنترنت، وتزايد الضغط على مكاتب المحاماة والمأذونين الشرعيين في العديد من الدول التي طبقت الحظر لفترة طويلة كالصين والولايات المتحدة، وزادت نسبة الطلاق في بعض الدول العربيّة كسوريا والسعودية، فكيف نتجنب جائحة اجتماعية تدمر جهاز المناعة الزوجية؟
العائلات لا تنهار فجأة
تقول ريم عناني مدربة المهارات الحياتية، ومؤسسة مبادرة "طريقك إلى السعادة" من أجل توفير معلومات لمدربي المهارات الحياتيّة، إن "العائلات لا تنهار فجأة".
وأوضحت "ما حدث هو تغيير مخيف في حياتنا دون خلفية عما يجب صنعه، علينا أن نحترم من يحتاج لمساحة فكل فرد في الأسرة يتعامل مع أموره الخاصة. لذا علينا أن نشرح لمن حولنا ما نمر به ليدعمونا".
أسباب أخرى
تقول عناني "من تأثر ماديا من الوباء يحتاج إلى خطة طوارئ، فالدراسات تؤكد أنه كلما زادت الصعوبات الماديّة زادت المشاكل النفسيّة".
وتنصح الأسرة بأن "تتصارح وتتدارس الأوضاع المادية وكلما ركزنا على الحل لا على المشكلة اقتربنا منه. وتراعى مع الأطفال سياسة التثقيف لا التخويف".
التغيير بسبب كورونا لم يطرأ على الوالدين فقط بل على الأبناء أن يتكيّفوا مع وضع غير مسبوق (غيتي)
الأبناء.. إلى المنزل
لم يطرأ التغيير على الأم والأب فقط بل صار على الأبناء أن يتكيّفوا مع وضع غير مسبوق مع التعليم عن بعد، مما أدى إلى عودة آلاف الطلاب إلى بيت الأسرة.
يقول عمر بطيشة طالب بالسنة الثالثة علوم سياسيّة واقتصاد بجامعة شيكاغو "السكن الجامعي مصمم للاستذكار، وكل من حولك هناك لنفس السبب، أما في البيت فالتحدي أن تقوم بدورك تجاه من يهمك أمرهم مع استمرارك في الإنتاجية".
يضيف "في السكن الجامعي يمكنك العيش لنفسك فقط، أما في البيت فلديك مسؤوليات من مراعاة الإخوة الصغار، غسل الأطباق، إخراج القمامة، هي حياة بكل ما فيها، والدراسة جزء منها. إلا في حالة وجود مشروع أو واجب ملح، حينها أخبر من حولي ألا يقاطعني أحد. ففي النهاية، النظام الداعم في البيوت أفضل من أي مكان آخر حتى ذلك المخصص للدراسة لكنه يأتي مع مسؤوليات".
وترى مريم سرحان الطالبة في برنامج خاص بالصف العاشر من المرحلة الثانوية "التحدي هو التركيز مع وجود أطفال صغار يريدون اللعب والقفز يتخللهما صريخ، ومن الممكن أن يدخل أي أحد أي مكان في أي وقت".
وتضيف "الدراسة عن بعد تتطلب مجهودا وطاقة أكبر لأنّ التشتت والانفصال عن الشاشة سهل، ولولا مواعيد تسليم الواجبات والمشاريع لما أجبرت على التركيز، يساعدني اتّباع جدول وأن أكافئ نفسي بعدها بالمشي وشراء قهوة من الخارج على سبيل المثال، فبدون جدول من السهل أن نضيع".
خارج الصندوق
زياد ومريم زوجان في أول حياتهما وكلاهما مهندس برمجيات، انتقل عملهما إلى المنزل على إثر جائحة كورونا، يقول الزوج "قبل الحظر كان وقت العمل في الشركة ووقت الأسرة في البيت، أما الآن فمن الممكن أن يختلط الاثنان معا، وخاصة أننا كنا نتشارك غرفة مكتب إذ إن شقتنا مكونة من غرفتين، وصالة مفتوحة على السفرة والمطبخ".
ويضيف "بما أنه علينا الحفاظ على سرية العمل من ناحية وعلى مساحة العمل الخاصة بكل منا من ناحية أخرى، قمنا بتنفيذ فكرة مختلفة، وهي نقل غرفة نومنا إلى السفرة فنحن لا نتوقع ضيوفا أثناء الحظر، وبذلك صار لدى كل منا غرفة لمكتبه الخاص، ولذا أنصح أن يجرب الإنسان حلولا حتى لو كانت غير معهودة".
مريم: الزواج الرائع يفضل العادي مثلما يتميز الماس عن الحجر (بيكسابي)
الحجر والماس
وبلقاء مريم، قالت "الفرق بين الحجر والماس أن الماس تعرض لظروف قاسيّة، وهذا الذي يفرق بين زواج عادي وزواج رائع، حين بدأ الحظر اكتشفنا سلوكياتنا في أوقات العمل، فأحدنا يجد وضوحا في أفكاره بمشاركتها فورا، والآخر لا يجد ذلك إلا في التركيز، أحدنا يسأل السؤال في لحظته خشية أن ينساه، والآخر يجمع الأسئلة ليسألها جميعا في نفس الوقت، فقررنا إن كان عندي سؤال أن أبعث به في رسالة لزياد، وأعرف أنه سيجيب عنه في وقت راحته".
وبخصوص سبب نقل غرفة النوم، قالت مريم "حين كنا في نفس المكتب، كان أحيانا يأتي علينا دور المشاركة في نفس الوقت، فزملاؤه يمكن أن يسمعوا ما أشاركه مع فريق عملي وزملائي يسمعونه، أو أحدنا يذهب ليحضر كوبا من الماء والآخر يفقد التركيز من الحركة، هي تعديات دقيقة وغير مقصودة على مساحة الآخر".
وأضافت "جربنا أن ينتقل أحدنا إلى غرفة السفرة ليعمل منها لكنها مفتوحة على المطبخ وغرفة الجلوس، فكانت تنتج مقاطعات لساعات العمل إذا أراد الطرف الآخر أن يصنع كوبا من الشاي أو أن يتناول الغداء أو يتابع الأخبار وقت الراحة، أشياء صغيرة لكن يوما بعد يوم تتراكم وتؤثر".
ألم تخافا؟
ترد مريم "طبيعي أن نخاف من التغيير وخاصة وأننا تخلصنا من بعض قطع الأثاث ونقلنا أخرى لننظم المكان، لكن الأمل في تجنب ما يضايقنا غدا ويؤثر سلبا بيننا جعلنا نأخذ الخطوة. وضعنا حول مكان غرفتنا الجديدة حواجز حتى نستشعر أنها غرفة، ونحن سعداء بهذا الحل".
عناني مدربة مهارات حياتيّة: العائلات لا تنهار فجأة (الجزيرة)
غير متعاون
تقول عناني "تأتيني الشاكية تقول زوجي لا يساندني، فأسألها: هل تريدين الاستمرار معه؟ تجيب نعم فأقول: أوجدي حلًا. ونعمل على هذا الحل معا. لو تعنّت زوجك فهل تسألينه عن سبب الرفض؟ هل فهمت وجهة نظره؟ وإن لم تكن هناك استجابة، فعلى الطرف الآخر أن يقوم بأفضل ما عنده. لو ظل فرد من الأسرة بمفرده ورأى الآخرين يقضون أوقاتا ممتعة، لربما لحق بهم، وإن كان يريد مساحة، فلنعطها له. لكن لا نتسرع ونطلب نصيحة ممن لا يعلم فتكلفنا حياة الأسرة".
أزمة وتمر
تقول عناني "الكل يردد أنّ الأزمة ستمر، لكن هل تخرجنا عائلة قويّة أم سينهار البناء الضعيف؟ كورونا ليس بالضرورة السبب في زيادة نسب الطلاق لكنه الصدمة التي جعلت الكثير منا يستيقظ".
وتختم "لقد فقدنا العديد من الأرواح الغاليّة في هذا الوباء، فلنتمسك بالأحياء ونعمل على ترميم الأسر لينتهي المرض وتستمر العائلات متماسكة، وإذا واجهت (أفراد) الأسرة تحديات فليبحثوا عن حلول داخل الصندوق أو خارجه. كما ينصح زياد "جربوا حتى الحلول غير المعهودة إن كانت ستجلب السعادة والراحة".
المصدر : الجزيرة