مشروع اللامركزية وقانون الإدارة المحلية المقترح بين الواقع والتطبيق

يعتبر الحديث عن مفهوم المركزية واللامركزية من أحد المواضيع الهامة في وقتنا الحاضر، حيث يعتقد البعض أن تطبيق نظام المركزية في ادارة شؤون الحكم المحلي ومؤسسات الدولة هو الافضل بينما يؤيد البعض الاخر تطبيق مبدأ اللامركزية. وفي السنوات الماضية كانت المؤسسات تدير اعمالها بطريقة مركزية للاحتفاظ بجميع الصلاحيات في الموقع المركزي ونظرا للتطور الذي حصل بطريقه انجاز الاعمال الاقتصادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والتنافس الكبير بين المؤسسات المختلفة فان الحاجة أصبحت ملحة لتطبيق مبدأ اللامركزية لاتخاذ القرارات السريعة والمدروسة بشكل جيد ولاشراك المواطنين في صنع القرارات التي تتعلق بشؤونهم اليومية.

تعني المركزية إعطاء الصلاحيات والحقوق للإدارة العليا وعادة يفضل تطبيقها في المؤسسات الصغيرة وتتميز بالتواصل الرسمي وبتركيز السلطات في يد شخص واحد، كما وتتميز المركزية بان القرارات تستغرق وقتا أطول لتنفيذها ويفضل تطبيق نظام المركزية عندما تكون المنظمة لا تملك السيطرة الكافية على الإدارة. كما ويتميز نظام المركزية بتركيز السلطة والمسؤولية والمهام في المركز الرئيسي، الامر الذي يؤدي الى تضاءل دور الموظف المرؤوس في المؤسسه او المنظمة ويقتصر دور الموظفين المبتدئين في متابعة أوامر كبار المديرين والعمل وفقًا لذلك ولا يُسمح لهم بالمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤونهم اليومية .

بينما اللامركزية تعني إعطاء الصلاحيات والسلطات من المستوى الأعلى إلى إدارة المستوى الوظيفي، كما تعني التفويض المنهجي للسلطة في المنظمة وتفضل المؤسسات الكبرى أن تمارس اللامركزية ليمتد التواصل في كل الاتجاهات بحيث يتم اتخاذ القرارات بالقرب من الإجراءات ،وان اتباع اسلوب اللامركزية يخفف العبء الكبير لمسؤلي المستوى الأعلى في اتخاذ القرارات من خلال إسناد الصلاحيات والمسؤوليات من قبل الإدارة العليا للإدارة المتوسطة أو المنخفضة وتفويض صلاحيات اتخاذ القرار إلى مديري الوحدات البعيدة عن المركز. وقد أصبح من الضروري علينا في الوقت الحاضر تطبيق مبدا اللامركزية نظرا للتنافس والتوسع في تنظيم الأعمال والخدمات.

قبل عدة سنوات تم اجراء انتخابات لامركزية في جميع محافظات المملكة الاردنية الهاشمية ودون الدخول في تفاصيل هذا المشروع فان التقييم المبدئي لتطبيق نظام الامركزية في محافظات المملكة لا يشير الى تحقيق نجاح او انجازات تذكر بسبب تداخل صلاحيات وزارة الداخلية مع صلاحيات وزارة البلديات والأجهزة الحكومية الأخرى لدرجة اننا لم نشاهد أي نشاط لأعضاء لجان اللامركزية فتردت الخدمات لدرجة كبيرة في المناطق التابعة للبلديات الكبرى وتركزت صلاحيات تقديم الخدمات بيد رؤساء البلديات الكبرى واصبحت المجالس المحلية عبئا وحمولة زائدة و ليس لهم صلاحيات او مهام في تقديم الخدمات لمناطقهم وخير مثال على ذلك الخدمات المقدمة للمناطق التابع لبلدية اربد الكبرى تكاد تكون الخدمات معدومة فالبنية التحتية والفوقيه اصبحت متهالكة بالرغم من ان الموطنين في تلك المناطق يدفعون ضرائب باهضة ودون تلقى ايه خدمات تذكر.

ان تجربة اللامركزية المطبقة في جميع محافظات المملكة لم يلقى النجاح المنشود وذلك للأسباب التالية:

1- استمرار أعضاء مجلس النواب في انشغالهم بتقديم الخدمات والتسهيلات لقواعدهم الشعبية .
2-لم يتم إعطاء صلاحيات تنفيذية كافية لمجالس المحافظات .
3- لم يتم إعطاء صلاحيات للمدراء التنفيذين في المحافظات لتعزيز مفهوم اللامركزية .
4-لم يكن هناك اي مشاركة شعبية في عملية صنع القرار .
5- لم يتم نقل الصلاحيات من المركز الى المحافظات والأطراف
6- وجود تضارب بين صلاحيات مجالس المحافظات والمجالس البلدية.
7- عدم توفر الكفاءة والكفاية لدى أعضاء المجالس بمختلف مستوياتها وخاصة في مجال الاستثمارات مشاريع التنمية المستدامة.
8- عدم وضع تشريعات تحد من تغول صلاحيات رؤساء البلديات الكبرى على المجالس المحلية ومدراء المناطق .
10- زيادة في تكاليف رواتب و أعضاء المجالس والأجهزة الإدارية ودون انجاز اي مشاريع تنموية مستدامه.

في الآونة الأخيرة تم تغيير اسم وزارة البلديات لتصبح وزارة الإدارة المحلية وفي الوقت الحاضر يتم مناقشة مسودة مشروع قانون الإدارة المحلية لسنه 2019 والذي من المتوقع إقرارها من قبل وزارة الإدارة المحلية وارسالها الى مجلس الامه لمناقشتها واقرارها. ودون الدخول بتفاصيل هذا المقترح فإن المتوقع عدم نجاحه، لان مضمون هذا المقترح يتنافى مع مبدا اللامركزية ووجود العديد من التداخلات في الصلاحيات للعديد من المجالس مثل مجلس المحافظة والمجلس التنفيذي والمجلس المحلي او المجلس البلدي وان تعدد هذة المجالس سيعيق الحركة، كما ان تصنيف البلديات الى ثلاثة فئات سيخلق ازمه في تحديد عدد السكان لكل فئة وصعوبه في تحديد وتخصيص الميزانية لكل فئه وخاصة ان هناك تغول من قبل رؤساء البلديات الكبرى في تقديم الخدمات الهامة للمواطنين.

وبناء على ما تقدم فإنني اقترح التفكير في عمل مشروع يختلف عما يسمى قانون الإدارة المحلية وهو مشروع اللامركزية الإقليمية بحيث يتم تقسيم الأردن الى ثلاث أقاليم وهي: إقليم الشمال وإقليم الجنوب وإقليم الوسط بحيث يتم إعطاء صلاحيات لمجالس تلك الأقاليم مع ضرورة اخضاعها لرقابة الحكومة المركزية وتشكيل مجلس يسمى مجلس الإقليم يكون مسؤول عن وضع السياسات المالية والاقتصادية والخدمية لكل اقليم ومتابعة تنفيذ تلك السياسات بالتنسيق مع الحكومة المركزية.