محمد الكسواني... طبيب من زمن القديسين
قد لا يعرف الكثير من القراء الرجل الذي رحل اليوم، لكن اهالي حي الطفايلة وجبل التاج يعرفونه جيدا، فهو الطبيب الدمث والانسان الذي احب مهنته واخلص لمبادئ وقسم ممارستها. فقد ايقن الطبيب الشاب محمد الكسواني ومنذ عقود ان الطب رسالة وليست رخصة لجني الملايين ورفع التسعيرة والاصرار على تقاضي الاجر قبل ان تجرى العمليات.
في عرف وقيم محمد الكسواني لا يحدد المال موقع الطبيب ولا تصنع الثروة مكانته فالطبيب يتسامى عن جمع المال وينصرف لمساعي الحفاظ على الحياة ومجابهة تهديدات المرض والتخفيف من الاوجاع فالطب بالنسبة له معرفة وملكة ومهنة لا قيمة لها ان لم تنتفع بها الانسانية وتخفف من الالام والاوجاع وتعيد البسمة الى الوجوه الشاحبة...
لا اعرف بالضبط متى افتتح المرحوم عيادته لكني سمعت بوجوده وذكر اسمه في كل بيت من بيوت اهلي وواقاربي في حي الطفايلة بعمان. وسمعت روايات وقصص واعمال ومواقف فيها من النبل والخير والانسانية الكثير...
ربما ان الدكتور او الحكيم الكسواني كما تسميه نساء حي الطفايلة كان الوحيد الذي التزم بحق الاردنيين بالخدمة الصحية المجانية فلم يذكر عنه انه رد مريضا دخل عيادته وايا كانت امكاناته المادية خائبا. فكان من الممكن ان يتقاضى الكشفية او يخفضها او يسجلها على الدفتر او يسامحك ولا ياخذها.
في الغالب يفكر الاطباء الجدد بفتح عياداتهم في المناطق الغنية او التجارية ويظن البعض ان مستقبله الاقتصادي سيتحدد من نوعية الزبائن.. في حالة الكسواني كان الرجل معنيا بخدمة من اهم اكثر حاجة واقل موارد الامر الذي دفعه الى اختيار تقاطع مزدحم في جبل التاج يتوسط مجموعة من الاحياء الشعبية حيث الطفايلة والمحاسرة وعلى مقربة من مخيم النصر افتتح عيادته في جبل التاج وغير بعيد عن منطقة النصر ومخيمها.
في حي الطفايلة وبين سكان الجزء الشرقي من العاصمة وفر محمد الكسواني الرعاية الطبية لالاف الذين راجعوا عيادته على مدار السنين فبدد بدماثته المخاوف المرتبطة بزيارة الاطباء.
من النوادر التي حدثت معه ان الرجل المحب للانسانية ومرضاه استقبل ذات مرة سيدة سبعينية جاءت للاستطباب وقد توقفت قليلا لترتاح من صعود درجات السلم المؤدي لعيادته وقبل ان تشرح اوجاعها لاحظت ان الطبيب يسعل بشدة فنسيت المها واشفقت عليه "سلامتك يا بنيي استنا عندك لاجيب لك دواء" فعادت الى بيتها الذي يبعد اكثر من ٣ كيلومترات تحمل كيسا من الاعشاب الطبية التي وصلتها من القرية واوصته بان يغليها ويستنقشها لكي يتخلص من هذا السعال اللعين.
هذه القصة وغيرها تتحدث عن انسان حمل قلبا محبا وسماعة تدله على الالام التي تعهد بان يطفيها كلما كان بوسعه ذلك.... سيذكرك الكهول والرجال وسيفتقدك المئات الذين اعتادوا على سماع تطميناتك ووثقوا بحبك الاخوي وانسانيتك الطافحة...
الرحمة لروحك فقد خسر الطب احد رواد خدماته النبلاء وفقدت الانسانية واحدا من الذين حافظوا على بهاء معانيها...
لمثلك نطمن رؤوسنا احتراما ونقف ساعات صمت وندعوا ان يظهر من بين رفاق المهنة من يتابع مشوارك........